قال بدر باسلمة، وزير النقل الأسبق، إن تاريخ اليمن الحديث، بشطريه الشمالي والجنوبي، لم يكن سوى سلسلة من التجارب القاسية لحكم المركزية المفرطة، مشيرًا إلى أن وجود السلطة في صنعاء أو عدن لم يغيّر من النتيجة النهائية، حيث أُنهكت الهوامش وسُحقت المحافظات البعيدة عن مركز القرار، وتحوّلت الدولة في مراحل سابقة من راعٍ للمصلحة العامة إلى أداة لنهب الموارد وتكريس الفساد وقمع الخصوم، وهو ما قاد البلاد إلى حالة الانفجار الراهنة.
وأوضح باسلمة أن الجنوب ذاق ويلات الشمولية والمركزية الحزبية، في حين عانى الشمال من المركزية القبلية والعسكرية، مؤكدًا أن المواطن في المحافظات كان الضحية الدائمة، تُنهب ثرواته ويُصادر قراره باسم شعارات كبرى، لافتًا إلى أن هذا الإرث الثقيل يثبت أن إعادة إنتاج أي نظام مركزي جديد، مهما تغيّرت وجوهه، لن يؤدي إلا إلى تكرار الأزمات نفسها بصورة أكثر دموية.
وأشار وزير النقل الأسبق إلى أن اليمن يقف اليوم أمام فرصة تاريخية نادرة، تتمثل في ضعف المركز وتآكل سلطة الدولة العميقة، وهو ما يفتح الباب أمام إعادة صياغة عقد اجتماعي جديد ينبع من القواعد لا من القمة، مؤكدًا أن الحل يكمن في تمكين المحافظات ومنحها صلاحيات كاملة لإدارة شؤونها إدارياً ومالياً وأمنياً، بما يسمح لكل محافظة بتنمية مواردها وخدمة أبنائها بعيداً عن وصاية المركز.
وأضاف باسلمة أن هذا النموذج يتيح للمحافظات المتجاورة، وبقرار ديمقراطي حر من أبنائها، تشكيل أقاليم أكبر إذا رأت في ذلك مصلحة مشتركة، دون فرض خرائط سياسية مسبقة، معتبرًا أن ذلك يشكل الضامن الحقيقي لتفكيك احتكار السلطة والثروة الذي كان وقودًا للصراعات السابقة، ويؤسس لأمن واستقرار دائمين في اليمن والمنطقة.
وختم باسلمة بالتحذير من أن اليمن يقف عند مفترق طرق حاسم، بين الشروع في بناء نظام فيدرالي عادل يضمن حق الجميع في إدارة مناطقهم وثرواتهم، وبين الانزلاق خلف مغامرات دولية لا تزرع سوى الفوضى والدمار المستدام، متسائلًا عمّا إذا كان اليمنيون سيتعظون من دروس التاريخ قبل فوات الأوان.
غرفة الأخبار / عدن الغد