آخر تحديث :الأحد-14 ديسمبر 2025-12:45م
أخبار وتقارير

ظروف الحرب تفاقم زواج القاصرات في اليمن

الأحد - 14 ديسمبر 2025 - 07:46 ص بتوقيت عدن
ظروف الحرب تفاقم زواج القاصرات في اليمن
عدن الغد- العربي الجديد

تغيب القوانين في اليمن التي تحمي القاصرات من الزواج، فتُنتهك إنسانيتهنّ وطفولتهنّ بحجة الفقر، ويتحملن أعباءً تفوق قدراتهنّ البدنية والنفسية.

في وقت كانت رفيقاتها يلعبن في قريتها بريف محافظة ريمة غربي اليمن، كانت أسرة منى (14 عاماً) تجهّزها كي تزف عروساً إلى عريس في الـ32 من العمر. ولم تكن منى تدرك ما يدور حولها، باستثناء أنها سترتدي الفستان الأبيض الذي تحلم به الفتيات منذ الطفولة.

حدثت مراسم وطقوس حفل الزفاف وفق العادات والتقاليد المتعارف عليها في الريف اليمني، وفي ليلة الدخلة وجدت الطفلة منى نفسها كما لو أنها فريسة بين يدي وحش مفترس، وأغمي عليها وتعرضت لنزيف تم إسعافها إلى المستشفى.

يقول والد منى لـ"العربي الجديد": أشعر بتأنيب الضمير الذي سيظل يلازمني طول الحياة. كأنني قتلت طفلتي بيدي، إذ زوجتها تحت ضغوط من بعض أقاربي الذين قالوا إنها أصبحت بالغة وجاهزة للزواج، وإن المرأة ليس لها إلا الزواج في الحياة. وفي يوم عرسها أغمي عليها وتعرضت لنزيف حاد. رأيتها ذلك اليوم في هذه الحالة، وكنت كالمجنون من القهر والخوف عليها". يضيف: "بعد تلك الليلة كانت الحالة النفسية لطفلتي صعبة. كانت منكسرة ودائمة الصمت وتشعر بالخوف والقلق، ورفضت أن تعود إلى بيت زوجها، ما ضاعف شعوري بالذنب والقهر، فقررت معالجة الخطأ، وأتممت إجراءات طلاقها ودياً، وأخذتها إلى طبيب نفسي لعلاجها من الصدمة التي تعرضت لها".

ولم يكن وضع منى أفضل من غادة التي تزوجت في سن الـ13 في ريف محافظة المحويت غربي صنعاء. وبعد أسابيع من زواجها حملت، وحين حان موعد الولادة أسعفت إلى أحد المراكز الطبية، لكنّها لم تقوَ على مضاعفات الولادة فماتت مع طفلها.

منى وغادة ضحيتان لزواج القاصرات في اليمن، وهي ظاهرة عادت للانتشار بقوة في ظل الحرب، خصوصاً في المجتمعات الريفية والقبلية التي تخضع لعادات وتقاليد وأفكار دينية مغلوطة ترغب بتزويج قاصرات باعتبار أن الزواج يستر الفتاة".

ويقول الباحث الاجتماعي خليل النجار لـ"العربي الجديد": "تنتشر ظاهرة زواج القاصرات أكثر في الريف، ما يعني أنها ترتبط بتفاقم الجهل والفقر، وتأثير الثقافة الذكورية التي تنظر إلى المرأة باعتبارها كياناً ناقص العقل والدين وفق الموروث الديني والثقافي المتوارث، ويحصر بالتالي مهمّتها بالزواج والإنجاب، لذا تشعر الأسر أن تزويج البنت يجنّبها احتمال أن يلحق بها عار اجتماعي، باعتبار أن الزواج ستر للبنت، كما تخاف الأسر من أن يفوت قطار الزواج على بناتها في ظل انتشار العنوسة كثيراً". يضيف: "ساهمت الحرب وما نتج عنها من نزوح الأسر، خاصة إلى الأرياف في انتشار زواج القاصرات، خاصة في ظل غياب القوانين التي تحميهنّ والعيش في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، فالأسر الفقيرة ترى أن تزويج البنت يخلصها من فرد يمثل عبئاً اقتصادياً، كما تحصل على مردود مادي من المهر".

وتظهر المأساة جلية في الانعكاسات الصحية والنفسية على القاصرة التي تتزوج، إذ تصبح أكثر عرضة للمخاطر الصحية خاصة خلال الحمل والولادة، إذ تزيد معدلات الوفاة خلال الولادة بالنسبة إلى الأمهات صغيرات السن نتيجة ضعفهنّ البدني، وعدم قدرتهنّ على تحمّل مضاعفات عمليات الولادة، وهي مخاطر تنتقل إلى المولود نفسه الذي يصبح بدوره أكثر عرضة للوفاة، كما تعاني الزوجات القاصرات من الاكتئاب والاضطرابات النفسية، ما يساهم في فشل العلاقات الزوجية التي تنتهي غالباً بالطلاق.

وتقول الدكتورة سماح حسين، وهي طبيبة نساء وولادة، لـ"العربي الجديد": "زواج القاصرات ذات مخاطر صحية ونفسية كبيرة، إذ تعاني الفتيات من مضاعفات صحية خلال فترة الحمل والولادة، ما يزيد من احتمال الوفاة خلال الولادة نتيجة ضعف بنيتهنّ الجسدية، فهن لا يزلن طفلات، أجسامهن غير مستعدة لعملية الحمل والإنجاب، كما أنهنّ أكثر عرضة للتسمّم خلال الحمل والنزيف وناسور الولادة، والولادة المبكرة، كما يصعب عليهنّ الولادة الطبيعية نتيجة عدم اتساع منطقة الحوض بسبب صغر السن، وعدم اكتمال النمو".

تضيف: "هناك أيضاً مخاطر نفسية تبدأ من يوم الزواج، لأنّ الطفلة لا تستوعب طبيعة العلاقة الزوجية، وتتعرض بالتالي لصدمة نفسية تلازمها فترات طويلة من حياتها، ثم تعاني من حالة ما بعد الصدمة، ومن الاكتئاب والخوف من العلاقة الحميمية، والشعور بضغوط النفسية خاصة مع المسؤوليات الزوجية المفروضة عليها، ما قد يدفعها إلى الانتحار".

وينتشر زواج القاصرات في المجتمع اليمني نتيجة سيطرة العادات الاجتماعية والأفكار الدينية وغياب القوانين التي تحدّد سن الزواج، وتقول المحامية نوال عباس لـ"العربي الجديد": "هناك قصور في القوانين اليمنية الخاصة بمعالجة ظاهرة زواج القاصرات، إذ لا توجد مادة صريحة تحدّد السن القانونية للزواج، فقانون الأحوال الشخصية اليمني رقم 20 الصادر عام 1992 حدد السن الأدنى للزواج بـ15 عاماً، لكن هذا النص أُلغي في تعديلات أجريت على القانون عام 1999، ما ساهم في انتشار الظاهرة على نحوٍ كبير خاصّة مع وجود العوامل الاجتماعية التي تمثل بيئة خصبة لانتشار زواج القاصرات".

تضيف: "هناك حراك جماهيري من المنظمات المدنية المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة للضغط على تحديد السن القانونية للزواج، وقد واجهته تيارات دينية عام 2009 قبل أن تدخل البلاد في أزمات سياسية متلاحقة منذ عام 2011 عطلت انعقاد البرلمان وممارسة مهماته في إقرار وتعديل القوانين، ما جعل القضية معلقة حتى الآن. ولم يبذل أي جهد باستثناء التوافق في مؤتمر الحوار الوطني على تحديد سن الـ17 للزواج، لكن لم يصدر قانون في هذا الشأن".

وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة والحكومة اليمنية تتزوج نحو 52% من الفتيات اليمنيات قبل بلوغ سن الـ18، في حين تتزوج نحو 14% منهنّ قبل سن الـ15، ويُقدَّر عدد الزوجات القاصرات في البلاد بأكثر من 4 ملايين.