تسود مخاوف واسعة في اليمن من قرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته على إثر الأحداث الأخيرة التي شهدتها محافظة حضرموت النفطية، وانعكاس ذلك على تفاقم الوضع المالي المتدهور وسعر صرف العملة المحلية. وأبلغ صندوق النقد الدولي نهاية الأسبوع الماضي، بحسب مصادر مطلعة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، عن قراره بتعليق أنشطته في اليمن بشكل مفاجئ وتأجيل اجتماع مجلس إدارته المخصص لمناقشة مشاورات المادة الرابعة الخاصة باليمن "إلى أجل غير مسمى" بعد أن كان قد أعلن، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، استئناف نشاطه في اليمن، وعودة اجتماعات المادة الرابعة مع الحكومة اليمنية بعد توقف دام نحو 11 عاماً.
وتعيش اليمن حالة طوارئ على كل المستويات منذ الأحداث الأخيرة على المحافظات الشرقية، حيث يمثل هذا القرار الصادر عن صندوق النقد الدولي ضربة لبرنامج التعافي الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة، ويحظى بدعم واهتمام كبير من قبل الصندوق.
وناقش رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي مع محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب المستجدات الاقتصادية والنقدية، والتداعيات المحتملة لقرار صندوق النقد الدولي بوقف أنشطته في اليمن، على خلفية أحداث المحافظات الشرقية.
وقال مصدر في مكتب رئاسة الجمهورية، في تصريح لوكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ) بنسختها الحكومية، الأحد، إن رئيس مجلس القيادة الرئاسي استمع من محافظ البنك المركزي إلى "تحديث حول مستوى تنفيذ قرارات مجلس القيادة، وتوصياته الهادفة لمعالجة الاختلالات القائمة في عملية تحصيل الإيرادات العامة إلى حساب الحكومة في البنك المركزي، والمؤشرات المالية والنقدية، والجهود المطلوبة لاحتواء تداعيات قرار صندوق النقد الدولي على المكاسب المحققة في استقرار سعر العملة الوطنية، وتدفق الوقود والسلع، وتحسين مستوى الخدمات الأساسية".
ونقلت وكالة "سبأ" امس الأحد أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اعتبر إعلان صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن "بمثابة جرس إنذار يؤكد أن الاستقرار السياسي شرط رئيس لنجاح أي إصلاحات اقتصادية في البلاد". كما جدد تأكيد أن الانسحاب الفوري لكل القوات الوافدة من خارج محافظتي حضرموت والمهرة هو "الخيار الوحيد لإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، واستعادة مسار النمو، والتعافي، وتعزيز الثقة مع مجتمع المانحين".
وشدد العليمي على أن "الأولوية الرئيسية يجب أن تبقى تحت أي ظرف لمعركة استعادة مؤسسات الدولة، وإسقاط الانقلاب، وبناء اقتصاد قادر على خدمة الناس، وأن كل ما عدا ذلك ليس سوى مزيد من الهدر، والاستنزاف الداخلي".
وأكد المستشار الاقتصادي في رئاسة الجمهورية فارس النجار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "أي إصلاحات اقتصادية لا تستقيم مع تعدد المرجعيات ومراكز القرار، وأي أحداثِ تشكلِ اضطرابٍ سياسي، تعطي إشارات سلبية للمجتمع الدولي للدعم المقدم، خاصةً أن هذه الخلافات والاضطرابات تحدث بين مكونات سياسية مفترض أنها تعمل في خندق واحد يمثل مشروع الحكومة الشرعية، إضافة إلى أن الناس كانت قد استبشرت خيراً ببرنامج الإصلاحات الاقتصادية المدعوم بشكل كبير من قبل الدول الرباعية والمؤسسات الدولية".
وتوقع النجار أن "صندوق النقد الدولي سيعيد النظر في قراره، لأن قراراته ومواقفه مبنية على الحالة الحالية، وبمجرد عودة الاستقرار بفعل الجهود الراهنة سيعمل صندوق النقد على استئناف الاجتماعات والمشاورات الخاصة بالمادة الرابعة، والتي جرى تعليقها ولم تتوقف بشكل نهائي".
بدوره، قال الخبير الاقتصادي محمد علي قحطان، أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، لـ"العربي الجديد"، إن قرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، على إثر التطورات العسكرية في حضرموت والمهرة، يعني "شل حركة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في مجال الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت بتنفيذها"، وأنه "في حالة عدم احتواء تلك التطورات العسكرية والسياسية المترتبة عليها، سيعود وضع الانهيار الاقتصادي والإنساني إلى ما كان عليه قبل العمل بالإصلاحات التي أدت إلى تحسن سعر صرف الريال اليمني بطبعته الجديدة مقابل العملات الأجنبية".
ويرى قحطان أن المطلوب هو "الحفاظ على استعادة تماسك القيادة السياسية وتمكين الحكومة من الاستمرار في مواصلة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت بها".