*كتب/ عبدالسلام هائل
"إطلالة"
مازلت اتذكر يوم كنت طالبا في اول ثانوي وكنا في يوم امتحان مادة المجتمع .ذلك اليوم الذي ارتفعت فبه الرؤوس لتعانق عنان السماء.
يوم خرج فيه الطلاب من المدارس وخرج الناس رجال ونساء من البيوت وامتلأت الساحات واكتظت الشوارع بالجماهير في عنفوان وحدوي لامثيل له .
وهتفت الجماهير بصوت واحد وقلب واحد :
وحدتي وحدتي:
يانشيدا رائعا يملأ نفس :
انت عهد عالق في كل ذمة..!!
يوم امتزجت فيه دموع الفرح ببهجة الانتصار لإرادة الجماهير اليمنية ..
فكان "يوم من الدهر لم تشرق اشعته ...شمس الضحى بل صنعناه بايدينا ".
*لم يكن 22 مايو عام 1990 وليد الصدفة ،ولكنه كان ولادة لمخاض عسير وطويل خاضه أبناء شعبنا اليمني العظيم في الشمال والجنوب ،وكان احرار اليمن ومفكروها ومثقفوها ،وعلماؤها في طليعة المناضلين الذين قارعوا الطغيان الامامي في الشمال والاحتلال الاجنبي المتسلط على جنوب الوطن الحبيب ،تحت هدف واحد وتحت مظلة وطن واحد يجمعنا جميعا اسمه "اليمن" ،
وكانت الاناشيد الوطنية تردد في كل مدارس اليمن :
(لاشمالي لاجنوبي في الوطن : أمنا صنعاء والاخت عدن ).
وحتى وإن كانت خطط المستعمر قد تمكنت من تمزيق وتقسيم اليمن في الحقبة الاستعمارية التي شهدتها المنطقة العربية .
لكن ظلت وحدة اليمن وهوية اليمنيين .متجذرة في عمق اعماق ووجدان ابناء الشعب اليمني، وظل ومايزال اسم " اليمن " محط إعتزاز وفخر لكل ابنائه ،كمهد للعرب وموطنهم الاول.
وكان الشعور بالهوية الوطنية اليمنية محطة استلهام للرعيل الاول ولكل مناضلي الثورة اليمنية في كافة المنعطفات التاريخية التي شهدها الوطن.
وصولا الى البدايات للثورة اليمنية منذ الخمسينيات ومطلع ستينيات القرن الماضي والتي اتسمت بوحدة الهدف والغاية في تحرير اليمن كل اليمن من الاحتلال البغيض والحكم الامامي المتخلف، وهو ما حفلت به تسلسل احداث حركة التحرر الثوري التي خاضها شعبنا في شمال وجنوب الوطن، الى ان انتصرت ارادة الجماهير اليمنية في اقامة النظام الجمهوري في شمال الوطن عام 1962م واخراج المحتل الغاصب لجنوب الوطن في 1967م .
واسفرت التداعيات والتجاذبات الدولية وشغل المخابرات الغربية، حال دون الاعلان عن قيام الوحدة اليمنية في حينها، ولكنها ظلت هاجس وهم وطموح ابناء الشعب اليمني ,طيلة فترة ما بعد الاستقلال ، وتلتها قمم واتفاقيات بين قيادتي شطري اليمن ابتداء من قمة القاهرة ،وطرابلس والكويت عام 1979،وصولا الى اتفاقية رمضان 1989م بين رئيسي الشطرين حينذاك ،الى حين تكللت هذه الخطوات والجهود الجبارة باعلان الوحدة اليمنية المباركة وقيام الجمهورية اليمنية في ال22 من مايو المجيد عام 1990م من مدينة عدن "مدينة الوحدة والمحبة والسلام " .
و مثلت الوحدة اليمنية ولا زالت الانتصار الابرز لارادة الامة العربية ،في زمن التشظي والمؤامرات المحدقة بالأمة ،وبروز التكتلات الدولية والاقتصاديات الكبرى.
وبذلك دخلت بلادنا عصرا جديدا في انجاز ابرز تطلعاته المتمثل بتحقيق الوحدة أغلى امانيه بعد ان ظلت ردحا من الزمن حلما تراود كل ابناء شعبنا في الشمال والجنوب .
وفيه التقى كل المبعدين والنازحين باهلهم واسرهم الذين كانوا ضحايا الصراعات على السلطة في جنوب الوطن ومن بينهم اكثر من " 60" الف نازح ومبعد قسري من محافظتي ابين وشبوة فقط بسبب احداث يناير 1986. وفي 22 مايو التقت الاسر بافرادها ،وتعانقت الاسر مع بعضها، وتنقلت بين محافظات اليمن شماله وجنوبه ،شرقه وغربه ، بكل حرية وبكل امان ، ولا احد يسألك عن منطقتك..او قريتك ،او عن جذورك .فاليمن كل اليمن بيتك ووطنك تنقل واسكن واعمل حيثما شئت ،
ففي ال22 من مايو عام 90 وبعهد الوحدة المباركة ،زالت كل نقاط الحدود الوهميةو الشطرية والى الابد .
وصارت اليمن دولة موحدة وقوية وعضو مشارك و فاعل في المجتمع الدولي يضرب لها الف حساب في كافة المحافل الدولية ،ونالت إهتمام واحترام وتقدير كل دول العالم ،نظرا لما حباها الله من موقع استراتيجي يطل على اهم ممرات وطرق التجارة البحرية ممثلة بباب المندب ،وسواحل مهمة تزيد طولها على 2500 كيلومتر على البحر العربي والبحر الاحمر ،ناهيك عن مئات.الجزر الاستراتيجية ابرزها جزيرتي سقطرة وميون ،وطبيعة متنوعة وارض واعدة بالخيرات والثروات التي لم تسنح الفرصة بعد لإستغلالها الإستغلال الامثل.
*وإمتلاك اليمن لهذه العوامل والاهمية الاستراتيجية ،جعلها كثيرا ما كانت وماتزال تدفع
الثمن باهضا، باعتبارها مطمعا للغزاة والمحتلين في العصور المختلفة.
*ولعلنا اليوم نستذكر ماكلفتنا الحرب الاهلية التي اكلت الاخضر واليابس ،ودمرت كل مقومات البنية التحتية' ومؤسسسات الدولة ،وسفكت انهار من دماء اليمنيين ،وملايين الضحايا بين شهيد وجريح ونازحين ومشردين بلامأوى ولا وطن .
وما كان لهذا ان يكون لولا التدخلات الدولية والمخاطر التي تحدق بنا من كل جانب نتيجة لتلك التدخلات من جهة والنزعات الطائفية والمناطقية من جهة اخرى و التي وجدت من يساعد ويصب الزيت في النار لإشعال فتيل الحرب بين ابناء الوطن الواحد عام 2015م ولازالت الى اليوم .
فالبعض لايروق لهم ان يروا يمنا واحدا آمنا ومستقرا .
وهو ما نلمسه اليوم على الارض من تمزق وشتات للقوى داخل الوطن الواحد.
*واذا كانت سنوات مابعد الوحدة قد شابها بعض القصور او الاخطاء' نتيجة الخلافات السياسية ،بين طرفي انجاز الوحدة..فهذا لايعني أن يرد البعض وللاسف الشديد الملامة على الوحدة، التي هي قدر وهدف استراتيجي لكل ابناء اليمن.
وليس لشخص او طرف بعينه أن "يفسخ العقد متى شاء".
*ولعلنا نحتفي هذا العام بالذكرى ال33 للوحدة المباركة والذي يتواكب مع صدور القرار الرئاسي بتسوية اوضاع اكثر من (52000) من العسكريين والمدنيين ،المبعدين قسريا في المحافظات الجنوبية ،وهي خطوة صحيحة وفي الطريق الصحيح لتصحيح مسار الوحدة المباركة والتي نتعشم في ان يلحقها التطبيق العملي في تسوية اوضاع هؤلاء المشمولين بالقرار، وايضا في اتخاذ خطوات شجاعة من كافة القوى والاطراف والمكونات السياسية في اليمن ،للحفاظ على ما تبقى من الدولة ،والعمل معا نحو مشروع الدولة اليمنية الاتحادية التي تضم الجميع.
*فما احرانا ان نستلهم هذه الذكرى الغالية على قلوبنا جميعا ، للتصالح والتسامح وانطلاق حواريمني - يمني تحت راية ودستور الجمهورية اليمنية ،ووفقا لمخرجات الحوار الوطني والخروج باتفاق ينهي الحرب ويعيد الامن والسلام ويحفظ بلادنا من التمزق والتشظي الذي يسعى إليه الاعداء والمتربصون باليمن ووحدته المباركة اليوم اكثر من اي وقت مضى لإعادتنا الى القرون الوسطى وتحويل بلادنا الى مربعات وكنتونات.يسهل عليهم السيطرة عليها،
*فقوتنا بوحدتنا وعزنا بوحدتنا ..ولا غير.
*ولتظل ذكرى ال22 من مايو المجيد بمشيئة الله تعالى يوما خالدا مادامت قلوبنا تنبض بحب اليمن .
وحتى "لا تر الدنيا على أرضي وصيا).