يبدو أن التطور العلمي والتكنولوجي وبالذات وسائل الاتصالات وتقنية المعلومات، بقدر ماجعلت العالم قرية واحدة ، الإ أنها قد أحدثت إنقلابا في المفاهيم ، أدت الى ضياع الكثير من القيم التي كان يتحلى بها المجتمع فيما سبق، والتى يأتي في مقدمتها القيم الاخلاقية مثل الصدق والأمانة والكرم والشجاعة وأغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج وغيرها من مكارم الاخلاق، فلقد تبدلت المفاهيم وأصبحت معكوسة رأسا علي عقب، فلقد كان المسؤول يستحي ويخجل من نفسه أن يوصم بأنه فاسد، ويخاف من العقاب والمسألة، والكثير من الناس تستهجن فعله وتقبحه وتبتعد عن مجالسته ومصاحبته، ولكن في وقتنا الحاضر تغير مفهوم الفساد والنظره إليه، فاصبح الفاسد شاطر أمن مستقبله ومستقبل اولاده لأنه إستغل فرصة وجوده على كرسي المسؤولية، فهو لم يعد يستحي من الله ولا من خلقه، ولايخشى عقابا ولا حتى مجرد عتاب، واصبح الكثير من الناس يتودده ويسامره ويجالسه ولا يستنكر فعله، فهو وأن فلت من العقاب في الدنيا فعقابه مضاعفا في الاخره كما يقول أهل العلم، لأنه أخذ مال شعب بأكمله.
* وفيما مضي ايضا كان المرتشي ترتعد فرائصه ولا يستطيع أن ينطق جهارا بأنه يريد رشوة مقابل إنجاز معاملات المواطنين ويخاف من أن يشكو به احد للمسؤول عنه، كما أنه منبود من قبل المجتمع، أما في وقتنا الحاضر يقولها بملء فيه أنه يريد حق القات وهو تسمية الدلع الجديدة للرشوة، وربما بسبب هذا المرتشي ضاعت حقوق اخرين فلامر عنده عادي جدا، فأذا أمن العقوبة في الدنيا أفلا يخاف عقوبة الاخرة، والطرد من رحمة الله ومن لعنة الله عليه كما جاء في الحديث النبوي الشريف (لعن الله الراشي والمرتشي....)،وأذا سألت أحدى المراجعين وأصحاب المعاملات لما يدفع الرشوة يقول لك معاملتي سوف تتعرقل وسأتمرمط ولن ينجز معاملتي رغم أنها من صميم عمله الإ أذا دفعت له.
* كما ان الغش والكذب والنصب والاحتيال بحق عباد الله أصبح فهلوة وذكاء، فالبعض يتفاخر بأنه نصب وإحتال اليوم على فلان وعلان، فباع لفلان سيارة لاتساوى نصف ثمنها، وباع لعلان أستمارة أرضية عليها تنازع ومشاكل يعلمها ويعرف تفاصيلها، لكنه لايبالي لذلك، فلا ترف له عين ولايعرق له جبين تجاه ذلك المسكين المخدوع، وفي كل الاحوال الأيمان الكاذبة جاهزة، ومع ذلك تجد لامثال هؤلاء تقديرا واحتراما من قبل البعض وعدم انكار أفعالهم السيئة تلك، بل تتكرر أفعالهم تلك بصورة دائمة وكأنهم قد أمنوا عقوبة الدنيا، فهل أمنوا كذلك عقوبة الاخرة ؟!، فقد قال رسول الله، صلي الله عليه وسلم: ( من غشنا فليس منا)، والحديث الاخر عن الكذب (...ولازال المرء يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا..).
* فما يؤسف له حقا أن تنقلب المفاهيم وتضيع القيم الاخلاقية، والكثير منا لا ينكر ذلك ولا يستهجنه، بل البعض يرأه أمرا عاديا، فلقد سمعت أحدهم يشكو لصاحبه من ان المسؤول الفلاني قد وظف جميع أقاربه الى الدرجة العاشرة ، وأستولوا على جميع الوظائف، بينما الاف الخريجين عاطلين عن العمل، فرد عليه صاحبه من حقه أن يوظف أقاربه ، أيعقل هذا الكلام! هل المؤسسة أو المرفق ميراث ورثه عن أبيه حتى يتقاسمه مع أقاربه ويحرم الاخرين ؟، فلابد من وقفه جاده تجاه ما يحصل، قبل أن يستفحل الامر، ونصبح فى غابة القوي يأكل الضعيف ، فلابد من اتخاذ اجراءات عقابية رادعة ضد أمثال هؤلاء ليكون عبرة للأخرين..