آخر تحديث :الإثنين-01 سبتمبر 2025-07:01م

كيف نتحاور مع بعضن؟

الجمعة - 10 مايو 2024 - الساعة 09:45 م
القاضي انيس جمعان

بقلم: القاضي انيس جمعان
- ارشيف الكاتب




لقد قيل الكثير عن أهمية الحوار إنه فنٌ يتقنه الكِبار، والحوار أسلوب تفاهم أثبته وأقرّه الإسلام، وهذا الإثبات جاء في قول اللَّه تعالى: (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ).[ الكهف: 37]، لهذا يجب أن يتعلم الجميع إن نجاح أي حوار لن يتم إلا من خلال التواصل المباشر والحوار المفتوح، حيث يمكن للأفراد من مختلف الثقافات أن يتعرفوا على بعضهم البعض بشكل أفضل، ويفهموا القيم والعادات والتقاليد الأخرى، ومن خلاله يتم بناء جسور من التفاهم والاحترام المتبادل، مما يحقق تعايشاً سلمياً ومثمراً بين الثقافات المختلفة، وهو الحل الأوحد والأسمى لتخطي جميع الأزمات وتوحيد الفرقاء، ويعتبر الحوار أرضية خصبة لحل الأزمات و التكفل بها للخروج بأقل الأضرار، فالحوار السياسي و الاجتماعي و حتى الاقتصادي يساهم بكل جرأة في تذليل الصعاب و حل المشاكل المطروحة و توحيد الفرقاء في أي أزمة مهما كانت، فالحوار القائم على الصراحة و الجرأة و تساوي فرص النقاش للبحث عن حلول يسمح بتقريب الرؤى و ذلك من خلال جلوس جميع الأطراف إلى طاولة واحدة لحلحلة الوضع و الخروج من عنق الزجاجة و ربح معركة الوقت لا سيما و أن طول وقت الأزمة يعني خسائر كثيرة لجميع الأطراف !

إنّ النّاظر والمتأمّل في أحوالنا اليوم يدرك تمام الإدراك أنّنا نفتقد أسلوب الحوار في طريقة معالجتنا لكثير من المشاكل والإشكاليّات التي تنشأ بيننا، وقد نحتاج في الكثير من الأحيان إلى الكلمات والعبارات لتعبر عن ما بداخلنا من مشاعر وأحاسيس يصعب علينا التعبير عنها، فعند سماعها تجعلنا نقف ونتأملها وتترك أثراً في داخلنا لأنّها تعبر عن واقع نعيشه، سواء كانت تعبر عن مواقف سعيدة أو حزينة !

في آداب الحوار هناك مبادئ هامه الإلتزام بها، يجب يكون كافة الأطراف المتحاورة، على علم تام بموضوع الحوار، أن يكون لديهم الجرأة، والشجاعة، على الاعتراف بالخطأ، أن يتأدب كل طرف مع الآخر، باختيار الألفاظ المناسبة، التي يرتضي المحاور أن يسمعها من غيره، أن يحترم كل طرف، عقيدة الطرف الآخر، ومبادئه، وأن يراعي نفسيته، لهذا يعتمد الحوار الناجح في أحترام الطرف الآخر والإنصات وعدم الاستعجال في الرد، و الهدوء وعدم إستخدام الصوت المرتفع والمقاطعة لأنه دليل على ضعف الحجة والفكر، والتركيز على الفكرة التي يدور حولها النقاش وعدم التفرع بعيداً عنها، وقد قال سبحانه تعالى: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).[النحل: 125].

في الحوار يجب أن يكون المتحاور متمكناً و له قدرة و دراية بالأمر المتحاور فيه و أن تكون له الكفاءة العلمية و المعرفية و التجربة لتقديم إضافات و تحديد موضوع الحوار و أهدافه و نقاط الاختلاف والاتفاق بالإضافة إلى توفر جملة من الآداب و الأخلاق لبلوغ الهدف كالرفق و الحسنى، و التواضع و حسن الاستماع و الهدوء و العدل و الإنصاف في الرأي و الحلم و الصبر، و يجب على المتحاورين عدم مقاطعة المتحدثين أثناء كلامهم، إذ ينبغي الإستماع إليهم بحرص مع إمكانيّة طرح مداخلة تتعلّق بالموضوع أو الفكرة التي يتحدّث بها، ممّا قد يُساعد على كسر حاجز الصمت وعدم الراحة بينَ المتحاورين عندَ أوّل لقاء يجمعهم، وقد يُساعد التفكير قبلَ التحدث على أختيار الكلمات الصحيحة للتعبير عن المعنى المقصود، أمّا التسرّع وعدم التفكير قد يؤدّي إلى نقل الأفكار الصحيحة بطريقة خاطئ، لهذا فكر كثيراً وأستنتج طويلاً وتحدث قليلاً، ولا تهمل كل ما تسمعه فمن المؤكد أنّك ستحتاجه في المستقبل !

ختاماً .. لنتحاور مع بعضنا، و يجب أن يكون هدفنا من الحوار خاصة في الأمور السيادية الوصول إلى الحق، والنقاش فيه بشفافية واضحة يسمو الوطن فوق كل شي، و يساهم في تحقيق السلم والأمان المجتمعي، و يساهم الحوار في بناء أرضيّة مشتركة للتعايش والتعاون بين أطياف المجتمع كافة بعيداً عن أي إملاءات أو ولاءات خارجية، وهذا يجب أن يسعى إليه الجميع من المتحاورين في الجنوب خاصة، واليمن عموماً، إذا أردنا الخروج من عنق الأزمة الحالية بنجاح !