خلال تسعة أعوام والشعب اليمني يعاني ويلات حرب أكلت الاخضر واليابس ولم تغادر بيت من بيوت اليمن إلا تركت فيه جرحا غائر لن يندمل قريباً بل سيترك ندوبا وتشوهات في جسد الجميلة أليمن أعوام طوال
لقد ألحق النظام الشمولي السابق في جنوب اليمن قبل الوحدة التي يلعنها غالبية الشعب الجنوبي جراحا عميقة أفضت عليه طابعا من اليأس في وجود قيادة سياسية ليس عندها القدرة على التحرر من الولاء المناطقي
وظن الشعب الجنوبي أن آخر مآسيه انتهت بعد أن استفردت جماعة الجناح اليساري المتشدد في مناطق الضالع ويافع على عرش حكم عدن أملا في استقرار سياسي يجنب المواطن البسيط دفع فاتورة الخلاف بين الساسة
إلا أنه كان هناك تزاوج غريب يحصل في أروقة السياسة الجنوبية طغت على الفكر التقدمي لنظام الدولة
لقد كان التزاوج الغريب بين القبيلة والولاء المطلق لها وبين الفكر الشيوعي التقدمي عامل أساسي في سقوط الدولة في أتون الفوضى والاحتراب الداخلي والتصفيات السياسية
حتى ترجمت هذه الأفكار في شتاء يناير عام 86
كل هذا التخبط والفشل السياسي الممزوج بجنون العظمة والكبرياء ونشوة النصر على الخصوم الداخليين وعدم الاعتراف بالفشل في قيادة المرحلة أدت جميع هذه العوامل إلى التوقيع على اتفاقية الوحدة اليمنية
اتفاقية غير مدروسة أضافت مشكلة أكبر من المشاكل والتعقيدات السابقة على كاهل المواطن الجنوبي
في حين مثلت الوحدة اليمنية طوق النجاة للغالبية العظمى من المواطنين في الشمال القابعين تحت حكم القبيلة بشكل كلي وغياب تام لدور الدولة
فوجد المواطن البسيط في شمال اليمن نوع من الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التي كان لا يستطيع حتى أن يحلم بها
في حين مثلت الوحدة اليمنية رافد جديد وغنيمة عظيمة ومصدر دخل لثراء فاحش بالنسبة إلى القادة القبليين والسياسيين
هذا الوضع لم يعجب دعاة المجد والكرامة والتاريخ من الساسة الجنوبيين الذين كانوا يطمحون للاستيلاء على السلطة في البلاد بشكل كلي
هذه الصدمة أدت إلى تراجع الرفاق عن الوحدة اليمنية وأيضاً بطريقة عشوائية وغير مدروسة أفضت إلى حرب 94 سرعان ما هزم فيها الرفاق وفرو هاربين تاركين شعبهم يواجه مصيره المجهول
شعر نظام صالح بنشوة النصر على أعدائه وازداد غروره وقوته
لكنه نسي أن هناك من شاركه في هذا النصر والفتح المبين فلولا القبيلة التي حشدت المقاتلين من كل حدب وصوب لما استطاع جيشه الضعيف أن يتقدم من مناطقه
ولولا الجناح الديني المتشدد الممزوج بالولا للقبيلة والمنطقة لما أصدرت فتاوى التكفير بحق شعب الجنوب التي صورت فتح عدن كفتح مكه وخيبر
لقد كان للفتح العظيم نتائج متوقعة أدت إلى تهميش الجنوبيين وجعلهم غرباء في وطنهم لا يتمتعون بابسط الحقوق بل وعمل المنتصرون على تدمير كلي للمؤسسات في الجنوب وافراغ الجنوب من محتوى الدولة والنظام والقانون
وتعيين شخصيات في هرم السلطة المحلية فيه تعاني من الحقد الدفين والكره للمواطن الجنوبي كي تستكمل طريق التدمير والتخريب المنظم
وهنا عمل المنتصر على إعادة دور القبيلة في الجنوب بشكل سلبي بعد أن تم تحييدها وإعادة الثارات والنزاعات على الفلوات واشغال بسطاء الناس بأنفسهم حتى يغفلو عن ما يتم نهبه من ثرواتهم
كل هذه الأمور أدت إلى ظهور الحراك الجنوبي عام 2007 مثل الحراك الجنوبي أيقونة إنسانية وسياسية وحضارية فلأول مرة ينطلق الجنوبيين حاملين معهم رايات التسامح والسلام مطالبين بحقوقهم بطريقة حضارية ومدنية
أزعجت هذه النهضة صنعاء وعملت على قمع هذه الحركة واعتقلت قادتها
لكن كان وراءهم شعب ينادي بالتحرير واستعادة دولته المفقودة
كان التحرك في بادئ الأمر منظم وموحد إلى أن تدخل القادة التاريخيين العظماء الهاربين خارج وطنهم
أدى تدخل القيادات التاريخية للجنوب إلى تشظي الحراك إلى عدة مكونات مناطقية وقبلية ودب الخلاف بين المواطنين نتيجة لاختلاف القادة التاريخيين
دخل خلالها الحراك الجنوبي نوع من المعمعة تنذر بفترة أفول طويلة قد تصل به إلى انتهاء زخمه
خلال هذه المرحلة الحرجة التى كان يمر بها الحراك الجنوبي اشعل البوعزيزي النار في جسده احتجاجا على صفع ظابطة تونسية له ومصادرة بسطته التي يترزق بها
ومع احتراقه رحمه الله احترقت تونس بلده وثار الشعب التونسي على بن علي ذلك الحاكم الذي أحكم قبضته على تونس وخرج مخاطباً شعبه بكلمات أظهرت ضعفه الحقيقي بقوله (خلاص فهمتكم)وهرب حينها بن علي ودخلت تونس حقبه جديدة تضيأها النيران التي أحرقت البوعزيزي
سرعان ما انتقلت نيران الربيع العربي إلى مصر وبعدها ليبيا حتى قرعت ابواب صنعاء
هنا وجد خصوم الراقص على رؤوس الثعابين فرصة لتوجيه لدغة مميتة لجسد نظامه الأسري
سرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى إعتصام مفتوح وتوافد إليه القادة القبليين والسياسيين والعسكريين أفضت هذه الاحتجاجات إلى حادثة النهدين ومحاولة اغتيال الراقص الفاشلة لكنها أظهرت أن بقائه في سدة الحكم أصبحت مستحيلة
فتدخلت السعودية بمبادرتها الخليجية أملا في لملمة الأوضاع خوفا من انفجار حرب أهلية تؤثر بشكل مباشر عليها
عين النائب منصور هادي رئيس الجمهورية اليمنية خلفا لراقص لقيادة البلاد إلى مرحلة انتقالية
لم يعجب الوضع الراقص الذي شعر بأن الشعب اليمني خذله وخانه بعد أن أحضر لهم الجنوب أرضا وثروة يجازا بهذا النكران
قرر خلالها الراقص الذي كان ولا زال صاحب النفوذ الأكبر في الجيش والأمن والمؤسسات أن ينتقم من شعبه فأحضر لعنة اليمنيين العنة التي لاتستثني أحدا
فأخرج الحوثيين من كهوف مران وقبضهم مقاليد الحكم في الدولة وسلمهم المعسكرات والأجهزة الأمنية
أملا في استخدامهم للقضاء على خصومه السياسيين ليظهر هو حينها الفارس المقوار الذي سينقذ الشعب من هذه العنة
أنتبه الحوثيين لخطة الراقص مبكراً فسبقوه إلى قبائل طوق صنعاء يشترون ولاءهم حتى تحين الحظة الحاسمة
بدأ صالح يدرك الخطر فحاول استباق الحوثيين لكنه تأخر كثيراً فقد أحكم الحوثيين قبضتهم عليه
وهاجموه مبكراً واستشهد رحمه الله مقبلا غير مدبر
لم يدرك قبائل أليمن أنهم حين يستلمون الأموال من الحوثيين يقبضون بذلك ثمن حريتهم ويسترقون أنفسهم
لقد كان الحوثيين قديما وحاضرا لعنة اليمنيين وعقابا لهم من الله يسمونهم سواء العذاب يذبحون ابناءهم ويستحيون نساءهم
لكن المفرح أنه لا مستقبل للحوثيين في اليمن لأنهم لا يمتلكون مشروع دولة ولا يحسنون الجوار ولا يرعون المواثيق والأعراف الدولية
لكن على الشعب اليمني أولا أن يتحرر من الولاء للقبيلة والمنطقة وأن يكون ولاؤه لوطنه هنا نستطيع أن نقول أن لدينا دولة
عصام هديل....