آخر تحديث :السبت-18 أكتوبر 2025-12:07ص

حاميها حراميها

الأربعاء - 08 يناير 2025 - الساعة 01:16 م
حسين سالم العولقي

بقلم: حسين سالم العولقي
- ارشيف الكاتب


لطالما كنت أسرق النقود من جيب أبي، ولكنها كانت تفاريق ، مجرد “فكة” لا تُثير الشبهات ولاتؤثر على الميزانية الشهرية لمصاريف المنزل . كنت أُتقن هذا الفن لدرجة أنه لم يشعر يومًا بغسيل الأموال الذي كنت أقوم به على نطاق صغير. ولكن ذات يوم احتجت مبلغًا أكبر، فقمت بسرقة جيب أبي مرة أخرى. لسوء حظي، كان ذلك المبلغ هو الوحيد في جيبه، ولم يكن بجانبه احتياطي ينقذني من ورطة “الاختلاس”.

شعر أبي بالسرقة فورًا، وبدأ بإعلان حالة الطوارئ في المنزل. جمع أفراد الأسرة وبدأ التحقيق معهم فردًا فردًا. كان الخوف والقلق ظاهرًا على وجوه إخوتي، أما أنا، فقد كنت واثقًا من نفسي، أنكرُ التهمة، وأتحدث عن قُبح السرقة وكأنني رسول النزاهة. لكن تلك الثقة المفرطة جعلت أبي يدرك أنني الجاني. يبدو أنني، دون أن أدري، كنت متهمًا بسبب إتقاني لدور “البريء”.

هذه الحادثة تُذكرني بواقعنا في اليمن، حيث يعاني الوطن من فساد المسؤولين، أولئك الذين يدّعون النزاهة ويطالبون بمحاسبة الفاسدين. في كل خطاب رسمي، تسمع شعارات عن مكافحة الفساد وكأنهم في معركة ضد جيش مجهول. لكن السؤال الذي يتكرر في أذهان الناس: أين الفاسدون الذين تتحدثون عنهم؟ لماذا لم نرَ مسؤولًا واحدًا يُحاسب أو يُسجن؟

يبدو أن حكومتنا تُشبهني في تلك الحادثة مع أبي: تتحدث بثقة زائدة، تُنكر التهمة، وتُشير بأصابع الاتهام إلى “آخرين” مجهولين. لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع، هي أن “حاميها حراميها”. المسؤولون الذين يُفترض أن يحافظوا على المال العام، هم أول من يمد يده إليه.

ختاماً لو عاش أبي، لكان اليوم وزيرًا للمالية. فذكاؤه في كشف السارقين كان سيوفر للوطن ما لا يحصى من المليارات. أما أنا؟ يبدو أن مكاني الطبيعي كان في الحكومة أيضًا، فالخبرة في “الإنكار بثقة” أصبحت معيار النجاح في المناصب. لكن الفرق الوحيد؟ أبي يعاقب السارقين، بينما حكومتنا تجعلهم أبطالًا وتهتف لهم: “سدد الله خطاكم… إلى الجيوب!”