في اليمن، لا حاجة للبحث عن الكوميديا السياسية، فالأحزاب توفرها مجانًا. تحكم وكأنها سلطة مطلقة، وتشكو وكأنها معارضة مضطهدة، لكنها تفشل في إتقان أيٍّ من الدورين، فلا هي أدارت السلطة بكفاءة، ولا هي مارست المعارضة بمسؤولية.
الأحزاب اليمنية التي تحجز مقاعد وزارية في الحكومة تريد من الشعب أن يحكم عليها وفق بياناتها وتصريحاتها، لا وفق أداء وزرائها، إذ تنتقد الفساد، بينما ممثلوها هم جزء من منظومته، وتشكو من سوء الإدارة، بينما هي من تتصدر المشهد الإداري، تريد أن تحاسب الحكومة كمعارضة، لكنها تصر على أن تحكم كسلطة، فتعيش في ازدواجية مريحة، فهي تمسك بالعصا من المنتصف، وتجلد بها الشعب من الجهتين.
في الدول التي تحترم العمل الحزبي، الحزب مسؤول عن أفعال أعضائه، والفشل الوزاري لا يُرمى على "شخص الوزير"، بل يُحمَّل للحزب الذي رشحه ودعمه، أما في اليمن، فالحزب يتعامل مع مسؤوليه وكأنهم ملابس مؤقتة: إن أُعجب بهم احتفى بهم، وإن فشلوا تبرأ منهم ورماهم في سلة الحكومة.
وإذا كان هذا هو حال الأداء، فكيف ننتظر إصلاحا أو تغييرا؟ الحكومة والأحزاب لم تكتفِ بالفشل، بل جعلت من تقاسم الحقائب الوزارية شغلها الشاغل، وكأن إدارة الدولة ليست سوى غنيمة حرب، فبدلاً من الانشغال بإيجاد حلول للأزمات الاقتصادية واستعادة الدولة ومعالجة الخدمات المتردية، مثل الكهرباء في عدن، انشغلوا بإرضاء المكونات السياسية وتوزيع المناصب لضمان بقائهم في المشهد، ولم يعد السؤال: كيف نحل مشاكل الناس؟ بل أصبح: من سيأخذ وزارة كذا؟ ومن سيحصل على النصيب الأكبر؟
وحتى عندما تطرح الأحزاب مرشحيها للمناصب، فهي لا تعتمد معيار الكفاءة، بل المحاصصة والولاءات، وكأن الوزارات مكافآت سياسية وليست مسؤوليات وطنية، ولو أنها اختارت الأكفأ وحرصت على النجاح في أداء المهام، لخففت كثيراً من تفشي الفساد بدلاً من تعزيزه، لكن الواقع يقول العكس: الوزراء بدلًا من أن يخففوا عبء الحكومة، أصبحوا عبئاً إضافياً عليها.
لو كانت الأحزاب تحاسب ممثليها كما تحاسب الآخرين، لكان المشهد مختلفًا كثيرًا. لكنها تحترف التهرب من الفشل، وتبحث دائمًا عن كبش فداء حكومي، وعندما يفقد المواطن ثقته في الجميع، تلومه الأحزاب لأنه "لا يفهم اللعبة".
المشكلة ليست فقط أن الأحزاب تحكم أو تعارض، بل في أنها تريد الجمع بين الدورين، بينما تترك الشعب وحده يدفع الثمن.