آخر تحديث :الخميس-31 يوليو 2025-06:36م

ماهي الاليات التي تتخذها السياسة النقدية في البنك المركزي لعدم تهريب النقد الاجنبي ,والذهب الى الخارج ?

الخميس - 06 فبراير 2025 - الساعة 09:35 م
د محمد علي مارم

بقلم: د محمد علي مارم
- ارشيف الكاتب


لقد تطرقنا في المقال السابق في السياسة النقدية حول موضوع هام جدا يخدم اقتصاد الدولة و الاستقرار السعري ومعدل دخل الفرد, وهو (متى نلجأ في السياسة النقدية الى بيع العملة الصعبة في المزاد) وتم التنويه فيه الى أهمية الرقابة البنكية لعدم إستهلاك العملة الصعبة في السوق من قبل فئة متربحة من الايراد غير المشروع والتهريب بها الى الخارج.

وقبل الشروع في السياسات الواجب اتباعها من قبل البنك المركزي لمواجهة تهريب النقد الاجنبي او الذهب للخارج , نستعرض بعض التدفقات النقدية والذهب خلال فترة قصيرة كعينة , وهي ذات انعكاسات خطيرة اثرت سلبا على محددات الاستقرار في السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية في المحافظات المحررة من الانقلاب الحوثي الواقعة تحت ادارة الشرعية الدستورية .

خلال عقود من الزمن استقرت فيها العملة المحلية وساد نجاح للبنك المركزي , حينها كان هو الجهة الرئيسية الحاملة لاتجاه العملة الصعبة للخارج , لتعزيز ميزان المدفوعات, وكانت ترسل على دفعات شهرية او ربع سنوية الى المركز الدولي في البحرين. حاليا يلعب هذا الدور مؤسسات اخرى قد لا تساند في نجاح السياسة النقدية للينك المركزي.

ماتم خروجه من عملة صعبة خلال الفترة من يناير 2024م حتى ديسمبر من نفس العام من مطار عدن فقط عبر كاك بنك و بنك القطيبي وكذا بنك عدن للتمويل الاصغر(2,546,000,000 ) اثنان مليار وخمسمائة وستة واربعون مليون ريال سعودي, وبتفصيل ادق في ذلك, بما فيه الدولار والدرهم الاماراتي.

حيث تفيد مصادر رسمية من مطار عدن ان المبالغ المرحله من قبل بنك التسليف التتعاوني الزراعي (كاك بنك) في العام 2024م ,

2153000000 اثنان مليار ومائة وثلاثة وخمسون مليون ريال سعودي.

160000000 مائة وستون مليون درهم اماراتي.

2000000 اثنان مليون دولار امريكي.

345000000 وكذ ثلاثمائة وخمسة واربعون مليون ريال سعودي تم ترحيله عبر بنك القطيبي.

48000000 ثمانية واربعون مليون ريال سعودي من بنك التمويل الاصغر تم ترحيلها للخارج لنفس العام.

ان الاستعراض لجزء ضئيل من النقد الاجنبي المتجه الى الخارج من مطار عدن فقط, ولم يتم التطرق الى المنافذ الاخرى البرية والبحرية والجوية , وكذلك لم نتطرق الى الاموال كالدولار و عملات اخرى المتجه الى جبوتي ومصر وغيرها.

الجدير ذكره بان جهات معينة تؤكد ان هذه المبالغ تخرج الى الخارج بهدف شراء متطلبات سلعية, وهنا أشير الى ان هذه الالية لاتساعد على استقرار الاسعار, ولايستطيع البنك المركزي بالتعاون مع الوزارات المعنية كالتجارة و المالية الزام رجال الاعمال بهامش الربح الطبيعي, وكذا يستصعب متابعة عودة تلك المبالغ الخارجة مقارنة مع السلع الواردة بدقة تحفظ الاستقرار السعري للسلع والصرف النقدي مقابل العملات الاخرى.

وهذا لايعني التشكيك حول تلك المبالغ اوتساهل الجهات المختصة في هذا الامر , انما هدفنا الرئيس هو أخذ بعض اساليب السياسة النقدية الحالية المتبعة, علاوة على ان الامر يتعلق بالدرجة الاولى نحو تحليل نضوج للاساليب الجارية في هندسة السياسة النقدية للحفاظ على استقرار العملة وانعكاسها على استقرار الاسعار ودخل الفرد, الذي انحدر الى ادنى مستوى في تاريخ اليمن , علاوة على انعدام الشفافية المالية التي تؤكد ماهية اتجاه تلك الاموال واستفادة الاقتصاد اليمني منها في مشتريات السلع او المدفوعات الرسمية للدولة من خلال تقارير و منشورات رسمية تطمئن رجال الاعمال والمواطن حول اتباع سياسات مجدية.

حيث ان السياسة النقدية التي يجب ان يتبعها البنك المركزي لمواجهة تهريب النقد الأجنبي الى الخارج يجب ان تعتمد على مجموعة من الآليات والإجراءات التي تهدف إلى وقف التدفقات النقدية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي. أهم هذه الآليات تشمل :

1) تحفيز استخدام العملة المحلية:

​تقليل الاعتماد على العملات الأجنبية في المعاملات المحلية, و فرض سياسات تقلل من الدولار (الاعتماد على العملة المحلية بدلاًمن العملات الأجنبية ).

2) . تحسين نظام سعر الصرف:

​توحيد سعر الصرف بين السوق الرسمي والسوق السوداء للحد من المضاربة, و تقديم حوافز للمصدرين لجذب النقد الاجنبي بدلا من تهريبه.

3) ضوابط على حركة رأس المال:

➢ فرض قيود على تحويلات الأموال إلى الخارج.

➢ تحديد الحد الأقصى للمبالغ التي يمكن تحويلها خارج البلاد للأفراد والشركات.

➢ مراقبة دقيقة على التحويلات المالية الدولية لضمان شرعيتها.

4) إجراءات مكافحة غسيل الأموال:

​تطبيق قوانين صارمة لمكافحة غسيل الأموال ومتابعة الحسابات المشبوهة, و تعزيز التعاون مع الأجهزة الأمنية والمؤسسات الدولية لضبط العمليات غير المشروعة.

5) تعزيز الرقابة على السوق المصرفي:

​مراقبة العمليات المصرفية لتحري ورصد أي عمليات غير قانونية تتعلق بتهريب النقد, و تعزيز التعاون مع البنوك والمؤسسات المالية للكشف عن الأنشطة المشبوهة.

6) زيادة الاحتياطيات الأجنبية:

​تحسين تدفقات العملات الأجنبية من خلال تعزيز الصادرات وتشجيع الاستثمار الأجنبي, و استخدام الاحتياطي النقدي الأجنبي لتغطية الطلب المشروع على العملات الأجنبية.

7) تعزيز الشفافية المالية:

​فرض الإفصاح الإلزامي عن مصادر النقد الأجنبي المستخدم في التحويلات, و نشر تقارير دورية عن الوضع النقدي والإجراءات المتخذة لتعزيز الثقة.

8) التعاون الدولي:

​تبادل المعلومات مع البنوك المركزية الأخرى والمؤسسات الدولية لمراقبة التدفقات النقدية العابرة للحدود, و توقيع اتفاقيات لمكافحة التهرب المالي وتبادل المعلومات عن الحسابات الخارجية.

9) تشديد العقوبات:

​​فرض عقوبات صارمة على الأفراد أو الشركات التي تثبت تورطها في تهريب النقد الأجنبي. و تعزيز إنفاذ القوانين المتعلقة بجرائم النقد الأجنبي.

أهداف هذه الآليات:

➢ حماية الاحتياطي النقدي الأجنبي.

➢ تعزيز الاستقرار المالي والنقدي.

➢ منع المضاربات والتلاعب بسوق العملة.

➢ تشجيع الاستثمارات داخل الدولة بدلاً من تهريب الأموال للخارج.

لعل تطبيق هذه السياسات يتطلب توازنًا دقيقًا بين الرقابة المالية وتوفير حرية كافية لتشجيع التجارة والاستثمار المشروعين.

واذا ماتطرقنا في نفس المنوال الى ماهية الاستقرار النقدي كنتيجة لاحتفاظ البنك المركزي بالمورد عالي الجودة لدى وزارة المالية , والذي ينعدم ذكره ايضا في الافصاح المالي لليمن من سنين عديدة وهو "الذهب" , سنجد ايضا ارقام لايستطيع الباحث والمحلل الاقتصادي والمالي ان يتجاهلها ,لاسيما عند وجود وثائق رسمية تؤكد خروج هذا المورد من منافذ الدولة دون ان تتحقق قيمة مضافة في الاقتصاد اليمني الذي يمر في اصعب مرحلة من التعافي .

حيث وقد بينت وثائق مطار عدن الدولي العام الماضي 2024م , ان حوالي (12) اثناعشر شخصا , واخرون من رجال الاعمال , قاموا بتصدير مايقارب عشرة الف كيلو من الذهب , كما تبين ايضا ان هناك كميات واردة من اصل تلك الكميات المصدرة قد اعيدت لكن ليس بمستوى ومقدار الكميات التي تم اخراجها من مطار عدن .

وهنا نبين ان هناك علاقة وثيقة بين سقوط العملة المحلية و البيع الرسمي بالمزاد العلني للعملة الاجنبية, والامر سيان للاتجاة نحو شراء الذهب, حيث ان معدل الانخفاض في سعر العملة هو معدل التربح الغير شرعي لجهات او افراد, الذي لايحقق قيمة مضافة في الانتاجية , الامر الذي يجعل تلك الجهات تتجه الى تحويل النقد المحلي الى عملة صعبة او ذهب واخراجها الى الخارج , مما يترك فجوة في الاقتصاد بقدر معدل النقص الذي يتحصل عليه المتربح دون انتاجية , وهذا ينعكس على انخفاض دخل الفرد ويزيد الفجوة في التضخم التي عكسها ما اكتسبه المتربح, سوى كانت مؤسسة او فرد وتم بغيرانتاج وانما بطرق غير مشروعة تضاعف من عجز الاقتصاد الجزئي والكلي و ينعكس في متطلبات الدولة والمواطن.

وكما أشرنا انفا لمنع تهريب الذهب ,وخاصة عند خروجه لإعادة التصنيع، يجب على المؤسسات الحكومية اتباع إجراءات صارمة ومتكاملة تشمل التنظيم والرقابة والتعاون مع مختلف الجهات, وفيما يلي أهم الإجراءات:

تعزيز الرقابة الجمركية:

➢ تدريب موظفي الجمارك للكشف عن محاولات التهريب.

➢ استخدام تقنيات متقدمة مثل أجهزة المسح بالأشعة للكشف عن الذهب المهرب.

➢ فرض قيود على المنافذ الحدودية لضمان إخراج الذهب بشكل قانوني.

تفعيل التعاون بين الأجهزة الحكومية:

➢ التنسيق بين الجمارك، ووزارة المالية، البنك المركزي، ووزارة الصناعة لتتبع حركة الذهب.

➢ تبادل المعلومات بين الجهات الأمنية لضبط أي نشاطات مشبوهة مرتبطة بتهريب الذهب.

➢ التعاون مع الجهات الدولية والمنظمات المتخصصة لمتابعة أي حركة غير قانونية للذهب.

تطبيق نظام رقمي لتتبع الذهب:

​إنشاء منصة إلكترونية لربط الجهات الحكومية والشركات، تتيح تتبع الذهب بدءًا من استخراجه حتى إعادته بعد التصنيع. و استخدام تقنية "البلوك تشين" لتسجيل عمليات الذهب وضمان الشفافية ومنع التلاعب.

تعزيز التعاون الدولي:

​توقيع اتفاقيات مع الدول الأخرى لتتبع شحنات الذهب وإعادة تصنيعها, و الاستفادة من قواعد البيانات العالمية للكشف عن أي تحركات مشبوهة للذهب عبر الحدود.

وهناك اجراءات عدة قد لايتسع المقال لذكرها ,بقدرالتنويه للامر كمشكلة رئيسية تحوم حول السياسية النقدية المتبعة جراء ظروف الحرب.

ان الاستعراض المنهجي اعلاه في اصول السياسة النقدية والتطرق لبعض الاجراءات المتبعة في الواقع اليمني اليوم , لايعني التنقيص من قدرة كفاءة المؤسسات العاملة اليوم وقياداتها , بالقدر الذي نهدف الى التنويه الى بعض الثغرات , والتشديد على الاخذ والاستفادة بما يعمل به العالم اليوم من حولنا, الذي سيؤدي الى نجاح في الاستقرار للمؤسسات النقدية وانعكاساته على نمو الاقتصاد وامن البلد.

أ.د محمد علي مارم

استاذ العلوم المالية والمصرفية جامعة عدن