قبل عامين من اليوم، أصرّ عليّ بعض الأصدقاء المقرّبين وبعض الأساتذة لحضور جلسة نقاشية عامة ذات طابع ترفيهي، كنت حينها مُنشغلًا في عملي، وكان الوقت ضيقًا للغاية، خصوصًا في اللحظة التي تلقيت فيها الاتصال للدعوة.
ورغم انشغالي، عزمت على الذهاب، وتركت مكاني في العمل متوجهًا إلى المكان الذي تُعقد فيه الجلسة، كانت المسافة تقارب أربعة كيلومترات، وصلت، سلّمت على الحاضرين وجلست بينهم.
تبادلنا أطراف الحديث، وكان من بين الحضور شخص يتحدث بحماسة عن فساد المسؤولين، ويكشف عن تجاوزاتهم بلا تردد، كان حديثه يزداد قوة وصلابة، لا سيما حين ذكر بالاسم فساد أحد المسؤولين، وتحدث عن تعيين أقارب له في مناصب لا يستحقونها.
قلت في نفسي:ما زال في هذا الشعب رجال، رغم كل الظروف، يقفون إلى جانب الأقلام الشريفة، يكشفون فساد المتنفذين، ويعارضون الظلم ويدافعون عن الحق."
مرت الأيام، وإذا بذلك الشخص نفسه يواصل الحديث والنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، مُطالبًا المسؤولين بتصحيح أخطائهم، وتنفيذ وعودهم على أرض الواقع، خدمةً للوطن والمواطن.
مرت السنة الأولى، ولا يزال الرجل ثابتًا على موقفه، لم يتزحزح قيد أنملة، كانت عيناه تلمعان بحب الوطن، وكلماته تفيض بالوطنية.
لكن مع مرور الوقت، حدث تغير مفاجئ في نبرته،
ففي نهاية السنة الأولى، بدأ يتحدث بنبرة مغايرة تمامًا، وانخفضت لهجته الحادة، واختفت عباراته القوية.
وقبل فترة قصيرة، قرأت له منشورًا يثني فيه على نفس الأشخاص الذين كان يهاجمهم ويشتمهم بالأمس، امتدحهم بعبارات مُبالغ فيها، وكأنه يتغزل بهم كعنترة بعبلة، أو كهيام قيس بليلى.
قلت في نفسي: ربما تحسّن حال هؤلاء المسؤولين، وبدؤوا فعلًا في تنفيذ وعودهم القديمة.
لكن للأسف، تبيّن أن الحقيقة مختلفة تمامًا فقد "تمرّق" الرجل بشكل مكثف، وأُصيب بانحراف فكري أفقده توازنه، وجعل منه نسخة مشوهة عن نفسه السابقة.
وتغيرت أوضاعه المادية بشكل جذري، وأصبح يعيش في رغد ونعيم، بعد أن طلب ودّ المسؤولين الذين كان يهاجمهم وشرب من "مرق" التغيير ، وحصل منهم على مبتغاه وغايته وحلم حياته.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبح اليوم ركيزةً أساسية في العمل المؤسسي، وهو ما يؤكد أن أولئك المسؤولين قد أغدقوا عليه من الخيرات ما جعله يبتلع لسانه، ويدسّ رأسه في التراب.