في قلب الجنوب الشرقي للجزيرة العربية، وعلى ضفاف بحر العرب، تقف حضرموت شامخةً بجغرافيتها الواسعة، وتاريخها العريق، وثرواتها الطبيعية، وعقلها المتّزن المتسامح. لكنها في ذات اللحظة، تقف على مفترق طرق مصيري، يفرض عليها أن تختار بين التحرر أو الارتهان، بين تقرير المصير أو التبعية القسرية. فإما أن تتحرر الآن من التبعية لليمن الموحد وجنوبه، أو تُحكم القيود على معصميها مرة أخرى، ويضيع حلم الاستقلال لعقود طويلة قد تمتد إلى قرنٍ كامل. سياتي شياطين المثلث للهجوم على حضرموت في عدة صور وبعدة أفكار وعن اليمين وعن الشمال ، وفي صورة الحضرمي الذي سيضحي ليدمر حضرموت بشعار حضرموت أولا الذي تم وضعه لتدمير مشروع حضرموت الدولة ، انتبهو، فكل الدعوات المخالفة لحق حضرموت في تقرير مصيرها فخ للإيقاع بحضرموت في قبضة الجنوب بعد ان فقدوا السيطرة عليها الان.
بين الماضي والحاضر علينا ان لا ننسى قصة التبعية المزمنة المذلة التي تم بها تقييد حضرموت وركنها جانبا لاستكمال صراعاتهم في الجنوب والشمال اليمني التي لن تنتهي، منذ أن دخلت حضرموت في كنف الجمهورية اليمنية، تارة تحت عباءة الوحدة في 1990، وتارة أخرى تحت مسمى "الجنوب" لم تنعم هذه المحافظة المترامية الأطراف بحكم ذاتي يعكس طموحات أهلها، ولا بمشروع تنموي يرتقي بها إلى ما تستحقه من مكانة. بل ظلت تُستغل كخزان للثروات، ومسرحًا لتصفية الحسابات السياسية، وساحةً للتهميش، والتجاهل والتبعية.
إن التاريخ لا يُعيد نفسه إلا على أولئك الذين لا يتعلمون منه. وما نشهده اليوم من محاولات لإعادة السيطرة على حضرموت باسم الجنوب – بعد فشل مشروع الوحدة – ليس إلا إعادة تدوير لمنطق الهيمنة القديمة تحت شعارات جديدة، منها حضرموت أولا ،وأسماء مختلفة، لكن بمضمون واحد: إبقاء حضرموت في دائرة التبعية والاستغلال.
هذه الفرصة هي الأخيرة، لحظة التحول الحاسمة، اليوم تعيش حضرموت لحظة مفصلية في تاريخها السياسي. فالوضع الإقليمي والدولي، والصراع المحتدم في اليمن، والتغيرات في خارطة التحالفات، كلها عوامل تُتيح لحضرموت نافذة تاريخية نادرة للانعتاق من كل أشكال التبعية، سواء كانت من صنعاء أو عدن، من الشمال أو الجنوب. إنها لحظة ذهبية – قد لا تتكرر – لتثبيت هوية حضرموت ككيان سياسي مستقل، صاحب قرار وإرادة، لا تابعًا ولا هامشًا وصولا لإعلان دولة حضرموت.
ولكن، إن ضاعت هذه الفرصة، وأعيدت السيطرة مجددًا على حضرموت من قبل مشروع الجنوب المركزي، فإن التاريخ لن يرحم. وحينها، على الحضارم أن يُعدّوا أنفسهم لنضال طويل مرير، قد يستغرق مائة عام أخرى من التضحيات حتى تُستعاد اللحظة التي نعيشها الآن.
الاستقلال يعني الانفصال تماما عن المحيط اليمني شمالا وجنوبا ، وعن الظلم والتهميش. لكن لا يعني الانعزال، بل بناء علاقة متوازنة مع الجوار تقوم على حسن الجوار. ، أهل حضرموت يريدون حكما رشيدًا، وسيادة على أرضهم، وعدالة في الثروة، وكرامة في القرار، اذا لا ينبغي ان نكون اداة للدعوات القادمة من المثلث.
التاريخ لا يُصنع بالأمنيات، بل بالقرارات الجريئة فليكن قرارك مع حضرموت الدولة . لتستطيع حضرموت اقتناص هذه الفرصة النادرة لتحديد مصيرها، بعيدًا عن هيمنة الجنوب. فإن لم تُنتهز هذه اللحظة، فسيُحكم عليها أن تعيش قرنًا آخر في الهامش، وتظل ثرواتها تُنهب، وهويتها تُغيب، وطموحات أبنائها تُجهض، مرارًا وتكرارًا.