في زمن تتبدد فيه المعاني وتتشظى فيه الأوطان بين مطامع الخارج وتخاذل الداخل تبرز مفارقة موجعة تختصر معاناة اليمنيين اليوم حكومة بلا إرادة وشعب بلا حكومة
ليست مجرد جملة إنشائية أو شعارا للغضب العابر بل حقيقة تتجلى كل صباح في تفاصيل الحياة اليومية في طوابير الخبز والوقود في أوجاع الموظف وفي نظرات العاجز الذي يحمل وطنه على ظهره ويبحث عن ظل دولة فلا يجد إلا السراب.
الحكومة بكل مسمياتها ومجالسها وسلطاتها تبدو في كثير من المواقف كجسم بلا روح وكأنها أداة تنفيذ لا تملك من أدوات السيادة شيئًا هي أقرب إلى شاهد زور على خراب البلاد وأحيانًا شريكة في ترتيبه حين تصمت أمام انتهاك السيادة وتتهاون في ضبط الأمن وتغض الطرف عن مافيات الفساد وتوزيع المناصب وفق الولاءات لا الكفاءات.
أين القرار الوطني؟
أين خطة الإنقاذ؟
أين حكومة الطوارئ التي تعالج الانهيار الاقتصادي وتواجه الانفلات الأمني وتخاطب الداخل والخارج بثقة وكرامة؟
الحكومة تبدو كأنها تنتظر الحل من الخارج تنفذ ما يُطلب منها دون أن تملي على الواقع شيئًا فلا مشروع نهضة ولا خطة إصلاح ولا حتى رغبة في إصلاح.
أما الشعب فهو الآخر في حالة صدمة مزمنة تنهب موارده ويُظلم في معيشته وتُهان كرامته وهو في الغالب صامت متعايش مع الوجع بل ومتكيف معه.
شعب بلا حكومة يعني شعب بلا ظهر بلا صوت حقيقي يعبّر عنه في الميادين السياسية بلا مؤسسة تلبي مطالبه أو تحمي حقوقه.
الشعب اليمني العظيم الذي صنع الثورات وأسقط الإمامة وكسر جدران الظلم يجد نفسه اليوم محاصرا بالحرب والجوع ومخدوعا بسلطة منقسمة عاجزة لا تمثل طموحه ولا تصون سيادته.
حين تغيب الدولة لا يظل المكان فارغا بل تحضر أدوات أخرى الفساد المليشيات أمراء الحرب الارتزاق السياسي والسماسرة الذين يتاجرون بأوجاع الناس ويجعلون من الحرب سوقا لا تنضب.
حين تترك الدولة لمصيرها يتسلل الطامعون وترسم خرائط النفوذ على جراح الوطن
والأخطر من ذلك أن يتحول المواطن إلى مجرد متفرج عاجز عن الفعل أو فاقد للثقة في كل شيء.
الأمل ليس رفاهية بل هو ضرورة للبقاء
لكن الأمل لا يزرع في أرض خربة دون عزيمة لا بد من مشروع وطني جامع يتجاوز الولاءات الضيقة والانقسامات العبثية.
لا بد من صحوة وطنية تعيد تشكيل العلاقة بين المواطن والدولة حيث تكون الحكومة خادمة حقيقية للشعب والشعب حارسا واعيا لمصالحه لا قطيعا يساق ولا طائفة تستغل.
كفى صمتا...
كفى تعايشا مع العار...
كفى استسلاما لوهم الحلول المستوردة...
نريد حكومة تملك إرادتها لا خاضعة لإملاءات الخارج
ونريد شعبا يستعيد وعيه وكرامته ويعيد بناء دولته على أسس الحق والمواطنة.
فلا وطن يبنى بأجساد منهكة وعقول مهزومة
ولا كرامة تستعاد تحت ظلال التبعية والانقسام.
إما أن نعيد للدولة اعتبارها... أو نموت ونحن نركض خلف سرابها.