آخر تحديث :الأحد-11 مايو 2025-02:30م

التنظيم القانوني لنظام الحكم الذاتي لحضرموت

الجمعة - 02 مايو 2025 - الساعة 05:35 م
المحامي صالح عبدالله باحتيلي

بقلم: المحامي صالح عبدالله باحتيلي
- ارشيف الكاتب


يرى اغلب فلاسفة القانون الدولي، أن الحكم الذاتي الإقليمي هو" التسوية المناسبة لتنظيم الدولة، على أساس رغبة الجماهير، حتى في حالة عدم التعبير عن رغبتها في الانفصال، او في كونها غير قادرة على التعبير عن تشكيل دولة مستقلة" . ومن خلال هذه التعريف يمكن التعرف على الاتجاه السائد حاليا في حضرموت.


يمثل نظام الحكم الذاتي أحد الركائز الأساسية في بناء الدولة الحديثة، حيث يعكس هذا النظام درجة التقدم والوعي الديمقراطي الذي وصلت إليه المجتمعات. ويعكس هذا النظام كذلك فلسفة توزيع السلطة وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات التي تمس الحياة اليومية للمواطنين.


الدولة القانونية تساهم في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي من خلال توفير إطار قانوني واضح يحكم العلاقات بين الافراد والمؤسسات، وخلاف ذلك نكون بصدد الحكومات الاستبدادية او البوليسية، لان السلطة في تلك النظم لا يحد من سلطانها أي قيد ولها ان تتخذ من الإجراءات تجاه الافراد ما يتفق ورغباتها او نزواتها حيث يرى من يباشرون السلطة فيها انهم فوق القانون.


في القرون الحديثة، ساهمت الحركات القومية والليبرالية في تعزيز مفهوم الحكم الذاتي. ومع انهيار الإمبراطوريات الكبرى، بدأت الأقليات والشعوب المضطهدة في المطالبة بإدارة شؤونها بنفسها، مما أدى إلى ظهور نظم حكم ذاتي داخل الدول الفيدرالية أو حتى استقلال بعض الأقاليم كليًا.


لقد لعبت الأطر القانونية والدولية دورًا هامًا في ترسيخ الحكم الذاتي. مثلًا، اعترفت الأمم المتحدة بمبدأ "حق الشعوب في تقرير المصير"، الذي أصبح أساسًا للمطالبة بالحكم الذاتي أو الاستقلال. كما تطورت نظم الفيدرالية واللامركزية، حيث باتت الحكومات المركزية تُفوِّض سلطات واسعة للأقاليم أو المقاطعات لضمان التماسك السياسي.


الحكم الذاتي غالبًا ما يُعتبر حلاً وسطًا مشروعًا ومقبولًا دوليًا لتسوية النزاعات الداخلية، خصوصًا إذا كان مدعومًا بمطالب شعبية قوية وسلمية، ويهدف إلى ضمان مشاركة محلية أوسع. وبالأخص اذا كان مدعوما بظروف غير عادية الضم والالحاق في مراحل فوضى طغيان الدول على بعضها البعض، وكتلك التي مرت بها حضرموت المتمثلة في اقصاء سياسي ممنهج منذ ان تمت عملية الضم والالحاق لحضرموت. ووفقًا للمواثيق الدولية، وتحديدًا ميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)، فإن: مبدأ تقرير المصير يُعتبر حقًا أساسيًا لكل الشعوب. وتنص المادة (1) من العهدين الدوليين على أن: "لكافة الشعوب الحق في تقرير مصيرها، وبموجب هذا الحق لها أن تُقرر بحرية وضعها السياسي وتسعى بحرية لتنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.


مع مرور الزمن، أصبحت الحركات الشعبية والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية عوامل رئيسية في ظهور الحكم الذاتي. وقد كان أكثر بروزا مثلاً، عندما بدأت الدول الاستعمارية او التوسعية، تتخلى تدريجيا عن مستعمراتها لصالح حكم ذاتي يضمن لها تبعية تلك الأقاليم وتظل العلاقة بينهما علاقة داخلية، وأيضا ظهرت العديد من المدن التي أطلق عليها "مدن حرة" في أوروبا، حيث تمكنت من الحصول على حقوق الحكم الذاتي من النبلاء أو الملوك، نتيجة للمفاوضات أو الصراعات المسلحة.


إن الحق في الحكم الذاتي ليس بالضرورة مشروطًا بوجود نص دستوري صريح، ولكن يمكن اعتباره حالة من حالات تقرير المصير للأقاليم التي سقطت تحت أخرى في ظروف غير عادية، ويكفي ان يحدث ذلك بقانون خاص يصدره البرلمان او اتفاق سياسي مع الدولة المركزية، تعطي بموجبه ذلك الإقليم حق تقرير المصير مقابل تنازل الإقليم تجاه الحكومة المركزية عن التعويض عن فترة حكمة. وهناك الطريق الاسهل وهي الممارسة المستقرة.


الممارسة المستقرة تبدا بخيار إعلان الذات، يعتبر التنظيم القانوني لنظام الحكم الذاتي من العوامل الرئيسية التي تحدد كيفية تنظيم الشؤون الداخلية في المجتمعات وتوجيه عمليات اتخاذ القرار والبناء. ويرى كثير من الفقهاء أنه من حق كل قومية أو شعب ان تعلن عن وجودها و تطرقوا إلى الشروط التي تؤدي إلى تحقيقه وهي ان يكون لكل شعب الحق ان يعلن عن حقه، وهو بذلك يبدا المرحلة الأولى لممارسة حق التمتع بالحكم الذاتي، فالقرار هو قرار الشعب وليست الحكومة المركزية او الدولة التي يقع فيها هذا الإقليم، وقد أطلق على هذا الخيار حق إعلان الذات.


ثم يأتي شرط ان يعلن كل شعب عن تحديد ذاته، ويشمل ذلك تحديد المساحة الجغرافية التي يعيش عليها، ولا يترك المجال للسلطة المركزية حق تحديد المنطقة الجغرافية التي يراها ضمن إطار حكمه الذاتي، وأطلق على هذا الخيار حق تحديد الذات. والشرط الاخر هو ان يضع الشعب بنفسه نظامه القانوني للحكم الذاتي ابتدأ بدستور إقليمي يضعه مجلسا تأسيسيا، ويطلق على هذه المرحلة بمرحلة حق تنظيم الذات. ثم يأتي شرط الممارسة الفعلية لما تم الإعلان عنه في المساحة الجغرافية التي يعيشون فيها وفقا للنظام القانوني الذي تم إعداده.


وقد ينجم عن هذه الخطوات، منح الحكم الذاتي بقانون خاص يصدره البرلمان او اتفاق سياسي مع الدولة المركزية، تعطي بموجبه ذلك الإقليم حق تقرير المصير مقابل تنازل الإقليم تجاه الحكومة المركزية عن التعويض عن فترة حكمة، أو أن تقوم الدولة المركزية بتبني نص في الدستور أو تبني قانون كخارطة طريق تؤدي إلى بناء الحكم الذاتي او ابعد من ذلك وهو الاستقلال الكامل. ويتفق جميع فقهاء القانون العام أن المعنى الاصطلاحي للحكم الذاتي في القانون الدولي، هو : أن يمارس شعب الإقليم كل السلطات الداخلية، ونقصد بذلك السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، و ينحصر نطاقه في القانون الدستوري والإداري، اما اذا وصلت إلى ابعد من ذلك ، أي إلى الاستقلال ، فهي تصل إلى مرحلة السيادة الداخلية والخارجية، ويتسع نطاقه إلى القانون الدولي العام .


هذه مقتطفات من كتاب "التنظيم القانوني لنظام الحكم الذاتي في حضرموت" تأليف المحامي صالح عبدالله باحتيلي، الذي يسلط الضوء على الأطر القانونية والمؤسساتية التي تحكم عمل الاجهزة المحلية في نظام الحكم الذاتي، مبيناً أهم النقاط وأهم الاجراءات، وتبيان ما هي التشريعات والنظم التي ينبغي اتباعها لبناء وتعزيز الحكم الرشيد، الذي يبدأ من تأسيس نظام حكم ذاتي. في وقت تتزايد فيه الدعوات لتعزيز اللامركزية السياسية، واجراء تعديلات دستورية وتطوير آليات نظام حكم ذاتي كوسيلة لتحسين الخدمات العامة وتعزيز الشفافية والمساءلة.