احتضنت العاصمة السعودية الرياض القمة الخليجية الأمريكية وسط ظروف إقليمية معقدة وتطورات متسارعة تهدد استقرار المنطقة بأسرها، وعلى رأسها الأزمة اليمنية التي باتت تتصدر أولويات المجتمعين الإقليمي والدولي.
فقد جاء اللقاء في ظل تصاعد التوتر في البحر الأحمر وتنامي الهجمات الإرهابية الحوثية على سفن الشحن التجارية، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى إطلاق حملة عسكرية غير مسبوقة في مارس الماضي تحت مسمى “رايدر الخشن"، شملت ضربات جوية وبحرية على مواقع استراتيجية وبنى تحتية لمليشيا الحوثي الإرهابية في اليمن، من بينها منشآت نفطية حيوية كميناء رأس عيسى، ومطار صنعاء الدولي، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي حضر القمة، وصف اليمن بأنها “منطقة معقدة"، في تعبير يعكس حجم التشابك بين أبعاد الحرب، والتدخلات الإقليمية، والملف الإنساني المتفاقم الذي تعانيه البلد.
هذا التوصيف لم يكن اعتباطياً من قبل الرئيس الأمريكي ترامب، فالقضية اليمنية لم تعد شأناً محلياً فحسب، بل أصبحت جزءاً من مشهد إقليمي أوسع، تتداخل فيه أجندات قوى دولية وإقليمية، من بينها إيران التي ترى فيها واشنطن ودول الخليج سبباً رئيسياً في دعم مليشيا الحوثي الإرهابية وتغذية الصراعات الإقليمية التي تشهدها المنطقة الملتهبة.
القمة التي هدفت إلى تعزيز التعاون الأمني بين الولايات المتحدة ودول الخليج، لم تغفل جانب المبادرات السياسية، حيث أُعلن عن وقف لإطلاق النار بين واشنطن ومليشيا الحوثي بوساطة عمانية، شمل وقف الهجمات على السفن التجارية، مع استثناء واضح للعمليات ضد إسرائيل حسب وصف مليشيا الحوثي، وهو ما يعكس استمرار المعركة السياسية والعسكرية في مستوياتها المختلفة، رغم مؤشرات التهدئة الظاهرة.
وبالرغم من إحتلال الملف اليمني لأهمية بالغة في قمة الرياض إلا أنه لم يصدر أي تصريح واضح يمكن البناء عليه للمرحلة القادمة في اليمن، فقد تُرك الباب على مصراعيه للتكهنات والاحتمالات القادمة، وسط غياب تام للشرعية اليمنية، التي كان من المفترض أن تكون حاضرة، كونها الممثل الشرعي للشعب اليمني شمالاً وجنوباً، وهنا تكمن تساؤلات خطيرة، فهل أصبحت الشرعية عبئ على المجتمع الدولي؟، وهل يثق المجتمع الدولي وخاصة دول الخليج في هذه الشرعية اذا ما كانت هناك معركة حاسمة محتملة مع مليشيا الحوثي في ظل الانقسامات وتقاطع المشاريع بين قياداتها؟!!.
وفي هذا السياق، تبدو القمة الخليجية الأمريكية في الرياض محاولة لإعادة ضبط البوصلة الأمنية والسياسية في المنطقة، من خلال تحالفات واضحة، ورؤية موحدة تجاه المخاطر المشتركة.
ومع ذلك، يبقى اليمن عقدة يصعب تجاوزها دون تسوية شاملة تأخذ في الحسبان تعقيدات الداخل وتوازنات الخارج. فبين هدوء نسبي قد ينهار في أية لحظة، وتصعيد محتمل لا تُعرف نهايته، يظل اليمن ساحة مفتوحة على جميع السيناريوهات، وصورة دامغة لتعقيد المشهد العربي والإقليمي الراهن، فالوضع في اليمن يختلف جذرياً عن لبنان وسوريا.