آخر تحديث :السبت-18 أكتوبر 2025-12:07ص

احترامي للحرامي

الأربعاء - 21 مايو 2025 - الساعة 10:31 ص
حسين سالم العولقي

بقلم: حسين سالم العولقي
- ارشيف الكاتب


اضطرني النحس وسوء الحظ لأتعرف على زميلي “صالح” بفرزة الشيخ عثمان. وهو رجل “زبلوط” ومولعي من الدرجة الأولى، لا يعرف السكون، يعيش على حواف المشاكل ولدية سجل حافل بالمضاربات والمشاحنات المختلفة، يبدأ يومه بصخب لكنه يهدأ كالعادة – بعد الرابعة عصرًا، عندما يبلغ القات ذروته، يقوم بإلقاء الخطب والحكم وكأنة مبعوث قادم لإحلال السلام !

وبالمناسبة تدرج صالح في مناصب عديدة منها " كراني " وقاطع كوشن. ثم سائق باص بالفرزة جعلته شخصية استثنائية إلى ان تعرف على احد المسؤولين في السلطة المحلية بعدن ومنذ ذلك اليوم تغير مسار حياته كلياً ودخل عالم العلاقات والنفوذ !

ذات مساء، دعاني لحضور جلسة مقيل في منزل ذلك المسؤول،. ولكن بشروط! أهمها أن أشارك في “التمجيد” و”المديح”، وأن أُظهر امتناني للمسؤول الكريم الذي يوزع القات الفاخر كما توزع الأمم المتحدة مساعداتها الغذائية ،

ولأنني لا اؤمن بمدح الحكومات التي لاتقدم للشعب سوى المعاناة والخيبة اعتذرت عن " الغناء في جوقة الطبل " و أبلغته أنني سأكتفي بالسكوت، والتحديق في شاشة التلفاز بينما أمضغ القات بهدوء. فوافق، وربما ارتاح من هدرتي أيضًا

في يوم الجمعة، شددنا الرحال نحو منزل المسؤول، الكائن بجوار الكنيسة الكاثوليكية في منطقة “حافون”. وصلنا بعد الصلاة، لنكتشف أن المسؤول قد غادر فجأة إلى دولة شقيقة في “مهمة عاجلة”، لاحس ولاخبر ، وهاتفه مغلق.

وقفنا، في ذروة الإحباط وتحت حر الظهيرة كالمغفّلين، ننتظر بصيص أمل…

حتى وصل مورد القات، حاملاً شحنة فاخرة ومميزة خاصة برجال الأعمال والمسؤولين ولأن صاحبي مولعي من الطراز الأول لن تمر هذه القافلة مرور الكرام . وبسرعة أظهر عبقرية عدنية متكاملة، فتقدم بثقة وأقنع المورد بأن المسؤول “راقد ومتعب ”،ولا أحد يجرؤ على إيقاظه خصوصاً انه يسهر الليل لينعم المواطن بحياة كريمة ! وقد كلفنا باستلام الشحنة عنه، على أن تُسجَّل في الدفتر حتى اخر الشهر ، والهاتف مغلق كما ترى.

ولأن “صالح” معروف لدى الموردين، لم يشك الرجل كثيرًا. سلّم الشحنة، وغادر مطمئنًا. والمحزن هنا هو قيمة الشحنة التي تعادل راتب سنة للموظف اليمني العادي !

اقترحت على صديقي ان نتسلل للكنيسة المهجورة بحثاً عن السكينة والغفران حتى تبرد ثم نغادر، دخلنا بحذر - شبكت يدي وانا اتمتم على طريقة الطقوس المسيحية، "ليسامحنا الرب وليباركنا يسوع نحن لم نسرق نحن فقط نأكل الفتات المسروق " ،

وكعادته عند بلوغ النشوة تحول صديقي الى "قسيس " ينشر المحبة و التسامح بين الأديان

اما انا مضغت الأوراق الفاخر وانا اتمعن في المشهد ، كيف تهدر ثروات البلاد بهذه الطريقة ؟ وكيف يصرف هذا المال على أوراق خضراء تذهب إلى أفواه المسؤولين بينما الشعب يتضور جوعاً ! وكيف يعيش مسؤول واحد بهذه الرفاهية المطلقة!

استعداداً للرحيل لملمت ماتبقى من أشلاء تلك المجزرة ! بااكياس غير صالحة لرميها بعيداً عن مسرح الجريمة أما الروؤس الجميلة والأغصان الطرية وزعتها عند العودة كهدايا تذكارية للبؤساء والعاطلين من العامة.