في مثل هذا اليوم، الثاني والعشرين من مايو عام 1990، سطّر اليمنيون ملحمة وطنية خالدة، إذ توحدت الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في كيان وطني واحد، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من تاريخ اليمن المعاصر، عنوانها الوحدة، ومضمونها الإرادة الشعبية الصلبة، والعزم الوطني المشترك على تجاوز الانقسام والانطلاق نحو مستقبل موحد.
إن هذه الذكرى، التي نحييها اليوم في عامها الثاني والثلاثين، ليست مجرد محطة زمنية في التقويم السياسي، بل هي لحظة فارقة تجسدت فيها تطلعات شعب بأكمله، توحدت فيها الجغرافيا والإرادة والدماء، لتنهض اليمن من واقع التمزق والتشرذم إلى أفق السيادة والكرامة. وقد جاءت هذه الوحدة ثمرة نضال طويل خاضه الأحرار من أبناء اليمن على امتداد العقود، بدءًا من ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة، التي أكدت في هدفها الخامس على أن الوحدة الوطنية ركن أساس من مشروع التحرر اليمني، ومرورًا بكل الجهود والمبادرات التي سعت إلى رأب الصدع وتحقيق التلاقي الوطني.
لقد أرسى يوم الوحدة أسس الدولة اليمنية الحديثة، حين التقت القيادة السياسية ممثلةً بالرئيس الشهيد علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية العربية اليمنية، والقائد الوطني علي سالم البيض، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، في مشهد وطني جامع دوّنه التاريخ بأحرف من نور، معلنًا ميلاد الجمهورية اليمنية الواحدة، وموثقًا للحظة التصالح الكبرى التي تعانقت فيها صنعاء وعدن، شمال الوطن بجنوبه، ليعود اليمن جسدًا واحدًا ينبض بالحياة والمستقبل.
وكان لهذا الحدث الجليل روّاد مهدوا له الطريق، أمثال القاضي عبدالرحمن الإرياني، الذي غرس قيم المصالحة الوطنية، والرئيس إبراهيم الحمدي، الذي سعى إلى بناء دولة العدالة والمؤسسات، والقائد سالم ربيع علي، الذي آمن بأن الوحدة قدرٌ لا مناص منه. لقد كانت رؤاهم وقودًا لمسيرة وطنية متواصلة، كرّست في الوعي اليمني أن وحدة الوطن ليست اتفاقًا عابرًا، بل التزامًا وطنيًا أصيلًا.
وإذ نحتفي اليوم بهذه المناسبة العظيمة، فإننا لا نستعيد ماضيًا مضى فحسب، بل نجدد العهد على صيانة مكتسبات الوحدة والدفاع عنها في وجه مشاريع التفتيت والتجزئة، وعلى رأسها المشروع الحوثي الطائفي، الذي يسعى إلى تقويض أسس الجمهورية، وتمزيق الهوية الوطنية، وإعادة اليمن إلى عصور الإمامة والتسلط. هذه الجماعة الانقلابية، التي تستمد أجندتها من خارج الحدود، لا تهدد وحدة التراب اليمني فحسب، بل تنال من كرامة المواطن وسيادة الدولة، وتغذي الصراع والتمزق على حساب السلام والاستقرار.
إن يوم الوحدة هو صرخة مدوية في وجه مشاريع الكهنوت والتفرقة، وتأكيد على أن لا كرامة تُصان، ولا جمهورية تُبنى، في ظل هيمنة السلاح ومصادرة الإرادة الوطنية. كما أنه دعوة لكل يمني حر، في الشمال والجنوب، إلى التمسك بخيار الدولة المدنية الواحدة، دولة المواطنة المتساوية والعدالة والحرية.
وفي هذا اليوم الأغر، نجدد العهد لدماء الشهداء، التي روت تراب اليمن، بأن الوحدة اليمنية ستظل عهدًا وميثاقًا وطنيًا مقدسًا، لا يُفرط فيه ولا يُمسّ به، وأن اليمن التي توحدت بإرادة رجالها ستظل عصية على التقسيم، صلبة أمام المؤامرات، منيعة أمام الطائفية والوصاية، ما دامت السماء تظلها ودماء الأحرار تسقي أرضها.
عاش اليمن موحدًا، حرًا، أبيًّا، وسَيّدًا على ترابه وتاريخه ومستقبله.