أنا لا أُزايد على وطنية الرجل، ولا أُطبّل له، ولا أضع حوله هالةً من القداسة. كل ما في الأمر أني شاهدت الحلقة، فانتابني شعور أن شيئًا ما تغيّر في فهمي لصورة الصحفي اليمني الحر،
حلقة فتحي بن لزرق في بودكاست “بلكونة” . كانت حفلة اعتراف ومراجعة شجاعة لمسيرة إعلامية ملغّمة بالحروب، بالخذلان، وبالوقوف على حافة الحقيقة دون أن تسقط. اعتدنا على فتحي بن لزرق في دور رئيس التحرير، الناقد الصلب، والخصم العنيد لكل جهة تحاول خنق الكلمة. لكن هذه المرة، تجرّد من كل تلك الصفات الإعلامية وارتدى جلده الحقيقي. رجل يحب، ينهزم، يتعب، يعترف،
وللامانة الرجل صنع امبراطورية إعلامية وهنا فقط، بدأت أفهم: هذا الرجل ، لم يَبِع موقفًا لأجل سلطة، ولم يستبدل قلمه بعصا طبل. صعد وحده، بكلمته، بنبرة “عدن الغد” التي أصبحت اليوم منارة وسط ظلام الإعلام المأجور.
ولايمكن إنكار ما بناه فتحي بن لزرق في عالم الإعلام. من العدم تقريبًا، أسّس واحدة من أبرز المنصات الإخبارية اليمنية، وجعل من “عدن الغد” صوتًا مسموعًا في خضم الفوضى. تحدى الأحزاب، وخذل الساسة، ورفض الرضوخ لأي تمويل يُفسد الكلمة
أكثر اللحظات المفاجئة في اللقاء كانت اعترافه بتجربة حب فاشلة. وهنا، أحتاج دقيقة صمت… لا تضامنًا، بل لأن قلبي أنا أيضًا فيه تاريخ طويل من الكدمات العاطفية ولأنني ممن يؤمنون أن العاشق الصادق لا يُشفى من أول خيبة، فقد كتبت عن ذلك سابقًا في مقال اسمه “حب من طرف واحد”، سامحك الله يابن لزرق " قلبت المواجع "
توقعت أن أسمع قصة انقلاب، أو مشهدًا من قاعات السياسة، وهذاء جانب عاطفي غير متوقع في شخصيتة المعروفة بالصرامة والانضباط
لكن اكثر ماشدني في نهاية اللقاء كان صراحة بن لزرق في الاعتراف بأخطائه السابقة، خاصة فيما يتعلق بتأييده لجهات سياسية لم تقدم ما يخدم الشعب. أوضح أنه لا يخجل من مراجعة مواقفه، بل يعتبر ذلك جزءًا من النضج السياسي والمهني. هذا الاعتراف يعكس شجاعة نادرة في الوسط الإعلامي، ويؤكد التزامه بالمصلحة العامة فوق الاعتبارات الشخصية أو الحزبية. وتصريحة الحاسم " الوحدة او الرحيل "
من يظن أن الصحفي مجرد قارئ أخبار، أو منسق عناوين، لم يشاهد هذه الحلقة. خرج فتحي من “بلكونة” محمد الصلوي بوجه آخر: وجه الرجل الذي وقف ضد الفساد، و التطرف، و الخنوع
انا لااقدم الرجل كبطل قومي لكن بطريقة ما جعلنا نعيد التفكير في معنى الصمود، وفي قيمة أن تظلّ مستقلاً في زمن الاستقطاب
قد يُؤخذ على محمد الصلوي، مقدم البرنامج أنه لم يرتّب محاور اللقاء أو يسلك خطًا تصاعديًا في طرح الأسئلة، فالقفز بدا أحيانًا عشوائيًا.
لكن الحقيقة أن هذا التلقائية العفوية منحت اللقاء طابعًا إنسانيًا غير مألوف، وجعلت الضيف يتحدث كأنه في جلسة خاصة، لا على منصة إعلامية !
ومع كامل الاحترام للمذيع ، الذي كان هادئًا وذكيًا في إدارة الحوار، إلا أن هناك تفصيلة صغيرة كادت تسرق الأضواء ، وبشيء من الدعابة — لا أستطيع تجاهلها ولوكنت مكان الضيف لرميت المذيع من البلكونة ليس لأنه قاطع الحديث، أو أساء الطرح، ببساطة… لأنه لم يُقدّم زجاجة ماء لضيفه، رغم أن الكحة المتواصلة للضيف كانت بمثابة استغاثة صريحة !