لقد أثبتت التجارب أن بعض الأنظمة العربية والإسلامية، التي طالما رفعت شعارات العداء والتوعد بزوال إسرائيل، لم تكن في معظم الأحيان تنطلق من مواقف استراتيجية حقيقية. بل كثيرًا ما استُخدمت تلك الخطابات أداةً لتكريس السلطة الداخلية، وتخدير الشعوب بشعارات لا تسندها أفعال على الأرض. فغالبًا ما كانت الكلمات أعلى من الأفعال، والوعود مجرد سراب يُسوّق لتبرير الإخفاقات وإخفاء الأزمات.
وقد دفعت الشعوب ثمنًا باهظًا لهذا النهج؛ إذ أُهدرت عقود من أعمارها بين صراعات عبثية وشعارات خاوية، بينما تراجعت فرص التنمية، وتبددت أحلام النهضة. وكان أولى بتلك الأنظمة أن تُقدّم مصلحة شعوبها، وتستثمر في التعليم والاقتصاد والإنسان، بدلًا من اللهاث خلف أوهام لم تجلب سوى العزلة والمعاناة.
ولو أن تلك الدول، التي نرى اليوم انهيارها أو انكفاءها واحدة تلو الأخرى، قد اختارت طريق البناء والتعاون والانفتاح، لكان واقعها وواقع شعوبها مختلفًا تمامًا. فبدلًا من تشييد الجدران وتأجيج الكراهية، كان الأجدر بها أن تبني الجسور وتزرع الثقة، لتصنع السلام داخليًا وخارجيًا، وتُمنح شعوبها فرصة حقيقية للمشاركة في مسيرة الحضارة.
لقد آن الأوان أن نعيد النظر، وأن نستخلص الدروس من عقود التراجع والانغلاق. فالسلام ليس خيار الضعفاء، بل هو أعلى أشكال القوة الحضارية، قوةٌ تبني وتوحد وتنهض بالأمم. والسلام مع الجميع – بلا استثناء – هو الطريق الأصدق نحو مستقبلٍ تُعلّى فيه كرامة الإنسان، أيّ إنسان، فوق كل انتماء ديني أو عرقي أو قومي.
فلنمدّ أيدينا إلى العالم بثقة ومحبة، ولنفتح صفحة جديدة عنوانها:
السلام، الشراكة والازدهار للجميع.
أحمد السخياني