آخر تحديث :السبت-18 أكتوبر 2025-12:07ص

صراع من أجل البقاء

الأحد - 29 يونيو 2025 - الساعة 06:27 م
حسين سالم العولقي

بقلم: حسين سالم العولقي
- ارشيف الكاتب


من الخطأ أن تعتقد ان الحياة يجب أن تكون سهلة أو عادلة.

لا بند يحميك من خيبات الأمل المتكررة ولا خدمة تطرق بابك احترامًا لأدميتك ولا وظيفة تأتي بمعدلٍ مرتفع، بلادي، يا صاحبي، لا تقدّم الوعود، ولا تعترف بالمضمون، ولا تمنح شيئًا على طبق من ذهب !

غالباً أستيقظ يوميًا عند الخامسة فجرًا، أستعد ليوم دراسي جديد بكوب شاي وكسرة متحجرة ومتجمدة من ليلة امس اجدها بحافظة مصنوعة من عزف النخل والجلد ومرصعة بأصداف بحرية تعود للعصر الحجري !

منزلي يقع في منطقة جبلية ، حيث المواصلات شحيحة وشبة منعدمة والطريق الى المدرسة وعر والنزول الى الوادي السحيق مشياً وهرولة اشبه برحلة في جبال الهملايا

أنتظر على قارعة الطريق، سيارة قد تأتي… وقد لا تأتي أبدًا. وإن ظهرت، فغالبًا تكون متهالكة، قديمة، كأنها نجت من الحرب العالمية الأولى. بعضها بلا فرامل، وما إن ألمحها تقترب، حتى أصرخ بصوت عال “وقف يا دريوووول!”

وإن لم يسمع، أبدأ بخوض سباقاً ماراثونيًا خلفها، مسافة طويلة إذا حالفني الحظ وتمكنت من التعلق بمؤخرة السيارة أو القفز على الكبوت ، وربما على باب السائق نفسه . شعرت وكأنني نجوت من موت محقق.

أما إن أُتيح لي الجلوس في “الغمارة”، فذلك امتياز نادر، أتمتع فيه بمشاهدة صور نجمات هوليوود الملصقة على أبواب السيارة من الداخل ، اتنفس الصعداء جاراً تنهيدة تحكي جروح العشق والم الفراق

في أغلب الأحيان، السيارات محملة بالأغنام، والعشب، وبعض الركاب البائسين.

وجوههم تروي لي حكاية واحدة: “الحياة هنا صعبة… والمستقبل صادم”.

وعلية أُجري تقييمًا سريعًا لوجه السائق. مستخدماً الفراسة: أتفحص التجاعيد، أقرأ العيون، وأحلل شخصيته ان كان من النوع المتسامح، أم من أولئك الغلاظ الذين يحسبون الأنفاس قبل أن يحسبوا ألنقود

أحيانًا، أطلق العنان لمديحٍ زائف، أملاً في الحصول على تذكرة مجانية ! لعلي اوفر " الكراء" واحظى بوجبة إفطار شهية و لذيذة بمقهى العم “علي بكري”، أو على الأقل سندويتش وقلص " ليم” ببوفيه “مربش”.

لكن حين تسوء الأمور، أضطر لتحمّل سيل من الشتائم، كضريبة للذكاء والفراسة المفرطة .

بعد كل ذلك العناء، ووصولي بمشقة، يبدأ الطابور الصباحي، حيث يريدونني أن أردد النشيد الوطني بحماس،

وأشيد بإنجازات الساسة، وأمجّد القادة …

وأنا بالكاد أعيش.

أين اختفت الوعود التي قرأتها في كتاب التربية الوطنية؟

لا أعلم، حقًا، لماذا قامت تلك الثورات، وتلك الانقلابات في بلادي؟

ما الجدوى منها إن كنت طوال حياتي لم أحصل على وظيفة واحدة؟

ولا حتى خدمة تُذكر؟!

انتظاري الطويل لم يثمر إلا خيبة، فقررت أن أُوقف الساعة

وأحزم حقيبتي، وأغادر نحو دولة مجاورة.

رحلتُ وأنا أحمل سنواتي الثقيلة، وقلبي المكسور، ونصيحة شاعرٍ سمعتها ذات يوم، وقررت أن أجعلها شعارًا للحياة:

المالُ يسترُ كلَّ عيبٍ بالفتى

والمالُ يرفعُ كلَّ وغدٍ ساقطِ

فعليكَ بالأموالِ واقصدْ جمعَها

واضربْ بكُتبِ العلمِ عرضَ الحائطِ

ربما لم يكن هذا ما تعلمته في المدرسة،

لكنّه، بلا شك درس من الحياة …