آخر تحديث :الجمعة-01 أغسطس 2025-01:26ص

ليتني لم أقرأ

السبت - 05 يوليو 2025 - الساعة 05:06 م
خديجة الجسري

بقلم: خديجة الجسري
- ارشيف الكاتب


بمناسبة زفاف أبناء خالي، شددت الرحال إلى قريتهم الجبلية، قرية تتكئ على كتف جبلٍ عالٍ، وتختبئ بين الصخور والوديان. هناك، الفتيات لا يلتحقن بالمدارس، وإن فعلت إحداهن، فعليها أن تقطع كيلومترات طويلة عبر الفيافي والوديان، وصولاً إلى أقرب قرية بها مدرسة.


دخلت القرية عند غروب الشمس، والطريق يتلوى بنا صعوداً بين الجبال. على جانبيه، شاهدت عشرات الفتيات والنساء، يحملن من التعب ما لا يُطاق، لكن الابتسامة لا تفارق وجوههن. كن منشغلات بالأبقار، بالأغنام، بجمع الحطب، وبحمل الحشيش من الوادي، ومع ذلك، لم يبدُ عليهن الضيق أو التذمر.


كانت النسوة هناك على موعد مع سمرة العرس، ستحييها أصواتهن الآتية من عمق التاريخ، محمّلة بالألحان الشعبية والشعر المنظوم. الغناء عندهن ليس مجرد طرب، بل تراث يتنفسنه. لكل واحدة منهن نغمة، ولكل حنجرةٍ روح.


ما إن أتمّ الإمام صلاة المغرب، حتى بدأ الديوان يمتلئ. بعد نصف ساعة، اكتمل العدد، وبدأت النسوة بالغناء والرقص. فجأة، نادتني صديقات أمي، سيدات القوم، إلى الخارج للسلام والترحيب:

"نورتي قريتنا يا محامية!"

"جت المحامية بنت زرعة!"


شعرت بأنني شيء غريب بالنسبة لهن، لكن قلوبهن الطيبة كانت تتسع لكل زائر. يفرحن بأي غريب، ويعظمن كل فتاة متعلمة، وكأن العلم في نظرهن وسام، وإن كان بعيداً عن واقعهن.


عدت إلى الديوان، كان ممتلئاً، ومن عتبته نظرت إلى وجوههن. رأيت سعادةً لا توصف، سعادة ترتسم على الملامح وترقص بها قبل أن ترقص بها الأجساد. حتى من رأيتهن في وضح النهار متعبات وسمراوات، وجدت وجوههن تشعّ نورًا في المساء، بلا مكياج، عدا قليل من الحمرة والكحل.


بينما كنت هناك، كان عقلي في مكان آخر. يشغلني عملي، مستقبلي، ومساراتي المتشابكة التي أراها تعرقل طموحي. كنت مشتتة، مكتئبة. أنظر إليهن وهن في قمة السعادة، فأحسدهن على صفاء أرواحهن وبساطة حياتهن.


تسللتُ إلى منصة العروسة، وجلست عند قدميها، منهكة روحي، متعبة نفسي، وقلت لنفسي كلمات لا أنساها:

"ليتني لم أقرأ."

تذكرت حينها ما قالته الروائية الكويتية زهراء عامر، فكررتها في داخلي كما لو أنها كُتبت لي خصيصًا.