خيانة الوطن ليست فعلًا سياسيًا عابرًا، ولا موقفًا ظرفيًّا مؤقتًا، بل هي لحظة سقوط داخلي، تتصدع فيها مرايا النفس وتتلاشى ملامح الانتماء. هي طعنة لا تُوجَّه إلى الأرض ولا إلى العلم، بل إلى القلب الذي كان يومًا ما يخفق حبًا وانتماءً.
الوطن ليس مجرد خطوط تُرسم على خريطة، بل هو حكاية تُروى في كل نبض. هو الدفء في صوت أمّ، والطمأنينة في شارع مألوف، وهو الذكرى العالقة في رائحة المطر فوق ترابه. من يخونه، يقتل القصيدة التي كتبتها الأيام في وجدانه، وينسل من ذاته كما تنسلّ الروح من الجسد.
وبانكفاء الإنسان عن القيم، ولسان حاله يقول: لا شأن لي بالعدل ولا الكرامة، وكأنه يمزق دفتر ذاكرته، إذ يدفن وجوه أحبّته الذين جعلوا منه ابن هذا الوطن.
ويفقد السلام مع ذاته، فيسكنه القلق وتطارده نظرات الازدراء أينما ارتحل.
وتأتي الخيانة على هيئة صمت في وجه الظلم، أو سكوت عن الحقيقة، أو بيع المبادئ بثمن قليل. وقد تكون في ترويج للطائفية، أو نشرٍ للكراهية باسم حرية التعبير، أو حتى في النكران المستمر لكل ما هو جميل في الوطن.
من يصدق مع وطنه، يصدق مع نفسه. فالوطن لا يطلب منا الولاء الأعمى، بل أن نكون أوفياء لما زرعه فينا من مبادئ، أمناء على جماله رغم العثرات، وأن نحمل قضاياه بكرامة، لا بخنوع.
فالوطن هو ما يتنفسه القلب قبل أن تراه العين.