من يقف وراء أزمة المياه في مدينة تعز ، لا يريدها مجرد قضية خدمية أو إنسانية عابرة ، بل يريدها ان تتحول إلى أزمة مركبة ومفتعلة، تحمل أبعادا سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية خطيرة ، وينظر لها استراتيجية ناعمة ممنهجة ؛ تقود لإضعاف الشرعية بما يؤدي لاختراق مليشيات الحوثيين المدينة ، وإعادة تشكيل الحاضنة الشعبية والديموغرافية والسياسية لصالح مشروعها ، نحاول في هذا المقال دق جرس الإنذار ، نحو فهم شامل لأزمة المياه في سياقها المحلي والوطني ، واستشراف أهدافها الخفية ، ومآلاتها المحتملة ، ومخاطرها على مدينة تعز واليمن عموما .
من يقف خلف ظهور أزمة المياه في تعز في هذا التوقيت الحساس ، مع غياب الحلول والمعالجات المحلية او المركزية من قبل الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي ، وفي ظل انهيار العملة الوطنية وغلاء أسعار المواد التموينية بشكل جنوني ، بهدف إلى استخدام أزمة المياه المفتعلة كورقة ضغط استراتيجية ذات أبعاد مركبة ، بعدها السياسي إضعاف الشرعية ، وشيطنة أدائها أمام السكان ، واستنزاف المدينة وإنهاكها اقتصاديا ونفسيا ، سعيا لفرض معادلة شراكة خدمية مع الحوثين تمهد لشراكة سياسية ، من خلالها يخترق الحوثيون مؤسسات السلطة المحلية تدريجيا ، والقبول بالوجود الحوثي داخل تعز كطرف خدماتي ، وهو ما سيكسب الحوثيين أرضية تفاوضية جديدة ، عبر ورقة الحلول الخدمية المشتركة ، سيما بعد تداول أخبار الشروع في مفاوضات او تفاهمات بين السلطة المحلية في تعز ممثلة بالمحافظ ومكتب المبعوث الأممي ، للوصول لاتفاق بين السلطة المحلية في تعز والحوثيين ؛ لضخ المياه من مناطق الحوثيين لتعز ، حيث تظهر الأزمة كذريعة لتسويق فكرة إدارة مشتركة للمحافظة ، تبدأ بالخدمات كالمياه ، وقد تمتد لاحقا إلى الأمن والإدارة المحلية ، هذه الحلول التي يتم الترويج لها تظهر الحوثيين كطرف عقلاني مستعد للحلول ، ما يمهد لتطبيع وجوده وقبوله سياسيا أمام المجتمع الدولي .
البعد الاقتصادي لأزمة مياه تعز يتمحور حول ارتفاع أسعار المياه بشكل حاد ، مع ندرتها ، ما سيمكن من استفادة أطراف تجارية من الأزمة ضمن اقتصاد الحرب ، وفيما لو تم معالجة الأزمة بمشاركة الحوثيين فإنهم سيبتزون الشرعية ماليا ، ويشترطون مقابل ضخ المياه تحويلات مالية ، ما يفتح الباب لتوفير تمويل لأنشطته العسكرية المعادية لمدينة تعز ، كما أن استمرار الأزمة قد يدفع مواطنين للهجرة إلى مناطق الحوثيين ، ما يعزز قوة الخزان البشري للمليشيا الحوثية.
لا شك ان من أهم أهداف صانعي أزمة مياه تعز إشغال المدينة بالأزمة وصرف الأنظار عن التهديدات العسكرية والأمنية المحتملة ، وخلق فوضى وفراغ أمني يستغل لتنفيذ اختراقات أمنية أو تمهيد لهجوم عسكري مفاجئ على المدينة .
من خلال أزمة المياه في تعز يتم ضرب دور تعز المحوري السياسي والعسكري كمركز لمقاومة انقلاب مليشيات الحوثيين ، ونسف تضحيات المدينة وصولا بها إلى نموذج خطير للتعايش مع الحوثي ، قد يعاد تكراره في مناطق أخرى ، ما يعني تقويض فكرة استعادة الدولة لصالح أمر واقع تفرضه المليشيات ، وتفكيك المشروع الجمهوري ، وخلق كانتونات شبه مستقلة أو خاضعة للحوثي إداريا ، ناهيك عن إفراغ المدينة من سكانها الفاعلين ، وتغيير تركيبتها السكانية والسياسية .
ما تشهده تعز اليوم ليس مجرد أزمة مياه ، بل أزمة مركّبة متعددة المسارات والأبعاد ، صنعت ووظفت ببراعة لاختراق المدينة من الداخل ، وتفكيك مقاومتها ، والتعامل مع هذه الأزمة كملف إنساني فقط ، دون وعي بخلفياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية ، يعد انتحارا استراتيجيا للشرعية وللقضية الوطنية ، المطلوب هو التحرك الحاسم ، وتوحيد الجهود الرسمية والمجتمعية ، وفضح كل محاولات تمرير التفاهمات الخفية التي تقايض احتياجات الناس وتضحياتهم بسيادة المدينة .
عبدالواسع الفاتكي