تمر مدينة تعز بأزمة مائية خانقة تُعد من أسوأ ما واجهته في تاريخها الحديث، حيث يعصف الجفاف بأرجاء المدينة ويهدد حياة سكانها ويزيد من معاناتهم اليومية. وتُعد تعز نموذجاً حياً لما تمر به العديد من المحافظات اليمنية من شح حاد في المياه، إلا أن الأزمة في تعز تبدو أكثر تعقيداً نظراً لتداخل عدة عوامل بيئية واجتماعية واقتصادية وأمنية ساهمت في تعميقها.
يعتمد سكان تعز بشكل شبه كلي على مياه الأمطار كمصدر رئيسي لتأمين احتياجاتهم المائية، في ظل غياب مشاريع استراتيجية لتخزين المياه أو تغذية الخزانات الجوفية. هذا الاعتماد المفرط جعل المدينة عرضة مباشرة لتقلبات المناخ، خاصة في السنوات التي تشهد نقصاً في هطول الأمطار، ما يؤدي إلى تفاقم أزمة الشح المائي. وقد تفاقم هذا النقص مؤخرا بسبب التغير المناخي الواضح الذي يضرب المنطقة، إذ ارتفعت درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، وتراجعت معدلات هطول الأمطار الموسمية بشكل ملحوظ في معظم أنحاء اليمن، مما زاد من صعوبة تأمين مصادر طبيعية للمياه.
كما أن غياب السدود والحواجز المائية القادرة على جمع مياه الأمطار وتوزيعها بفعالية حرم المدينة من مورد طبيعي كان يمكن أن يخفف من آثار الجفاف ويسهم في توفير المياه للأغراض الزراعية والمنزلية. في المقابل، تستنزف زراعة القات -المنتشرة على نطاق واسع في اليمن- كميات كبيرة من المياه، حيث تُروى هذه الشجرة بشكل مكثف، وغالباً باستخدام المياه الجوفية، ما يؤدي إلى استنزاف هذا المورد المحدود في مناطق تعاني أساساً من ضعف الموارد المائية. وفي ظل استمرار هذا النمط الزراعي دون رقابة أو تنظيم، تتضاءل فرص تعافي المخزون المائي ويزيد العبء على سكان المدينة الذين باتوا عاجزين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية من مياه الشرب والاستخدام اليومي.
وتُفاقم الكثافة السكانية المتزايدة داخل تعز من تعقيد الأزمة، حيث أدى ارتفاع عدد السكان إلى زيادة كبيرة في الطلب على المياه، دون أن يترافق ذلك مع أي تطوير في شبكات المياه أو توسعة في البنية التحتية التي بقيت متهالكة وغير قادرة على تلبية الحد الأدنى من احتياجات المواطنين. وتعاني الكثير من الأحياء في تعز من انقطاع شبه دائم للمياه، ما يضطر الأسر إلى الاعتماد على شراء المياه من الصهاريج بأسعار باهظة لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن العادي.
من جهة أخرى، تركت الحرب المستمرة في اليمن آثاراً مدمرة على قطاع المياه، حيث أوقفت مشاريع كانت ستُنفذ في مدينة تعز، من ضمنها مشاريع تحلية مياه كانت ستشكل انفراجة حقيقية للمدينة. إلا أن النزاع المسلح، والدمار الذي طال أجزاء كبيرة من البنية التحتية، وعدم الاستقرار الأمني، حال دون تنفيذ هذه المشاريع أو حتى استكمال ما كان قيد الإنشاء منها.
تعز اليوم تعيش حالة طوارئ مائية حقيقية، والمشكلة لا تقتصر على قلة الموارد، بل تتعمق بفعل التغير المناخي وسوء الإدارة وغياب الخطط الاستراتيجية التي توازن بين حاجات السكان وقدرة البيئة على تلبية هذه الحاجات. وفي ظل هذا الوضع الحرج، تبقى الحلول بعيدة المنال ما لم يتم التحرك بشكل جاد من قبل السلطات المحلية والدولية، لتوفير بنية تحتية مائية مستدامة، وتنظيم استخدام المياه، والحد من الزراعات المستنزفة مثل القات، إلى جانب دعم مشاريع تحلية وتوزيع المياه التي يمكن أن تنقذ المدينة من شبح العطش المتزايد.