اليمن.. أولاً ..
في مشهدٍ لا يمكن عزله عن التحولات الجارية في الوعي اليمني، التقى الرئيس علي ناصر محمد، أحد أبرز رموز التجربة الوطنية الوحدوية والديمقراطية، بالوزير أحمد الميسري، السياسي الذي فرض حضوره من صلب الشارع، لا من توازنات الخارج، في العاصمة المصرية القاهرة، يوم 29 يوليو 2025.
اللقاء لم يكن عابرًا، بل كان امتدادًا لمشروع وطني كبير ظل الرئيس علي ناصر يؤمن به ويدعو إليه منذ انفجار الأزمة اليمنية؛ مشروع يقوم على فكرة "الدولة الواحدة" و"الجيش الواحد" و"القرار السيادي المستقل". فالرجل لم يغادر مشهد النضال منذ أن غادر كرسي الحكم، بل تحوّل إلى ضميرٍ يُذكّر اليمنيين بأن الحرب لا تلد وطنًا، وأن الكرامة لا تُشترى برضا الخارج ولا تُباع على مائدة التسويات.
أما أحمد الميسري، فهو الرجل الذي لم يهادن لحظة، رغم الإقصاء والخذلان، ورغم محاولات التشويه والاحتواء. بقي صوته صريحًا، رافضًا للتبعية، ومتمسكًا بثنائية السيادة والعدالة. مواقفه من التحالف، من الانتقالي، من مشاريع التقسيم، ومن غياب الدولة، كشفت عن شخصية سياسية لا تساوم على الثوابت، وإنْ اضطرّت للمناورة في التفاصيل.
هذا اللقاء هو تقاطع بين عقلانية التاريخ وجرأة اللحظة. فعلي ناصر يحمل ذاكرة الجنوب الموحد، والاشتراكية ذات الطابع القومي، والبحث عن السلام وسط لهيب الصراع. والميسري يحمل إرادة الخروج من عباءة المشاريع الإقليمية، والسعي إلى "فك الارتباط عن الوصاية" وليس عن الوطن. إنه لقاء بين من خَبِرَ الدولة ومن رفض دفنها، بين من واجه الانفجار الأول، ومن يواجه التفكك الأخير.
ومن يقرأ هذا اللقاء من زاوية التحالفات، يدرك أنه لا يقوم على مصالح آنية أو صفقات انتخابية، بل على قناعة راسخة بأن "المشروع الوطني" بحاجة إلى رجال لا تُغريهم المقاعد ولا تُرهقهم المعارك. لقد اجتمع رجلان كلٌّ منهما رفض الاصطفاف الطائفي والمناطقي، وآمنا بيمنٍ يتسع للجميع، لا يمنٍ يُدار بالوكالة أو يُقسم بالغنائم.
إنّ إشادة الرئيس علي ناصر بالوزير الميسري ليست مجاملة، بل اعتراف من رجل دولةٍ بتاريخ رجلٍ آخر قرر أن يسلك الطريق الأصعب: طريق البقاء في وجدان الناس لا في حسابات السفارات. وهذه الثقة من علي ناصر ليست إلا إشارة إلى أن المشروع الوطني لا يزال حيًّا، وأنّه لا خلاص لليمن إلا بالحوار الجامع، لا الحوار الموجه.
في زمنٍ تحكمه الأدوات، كان هذا اللقاء "رسالة من القيم". وفي زمنٍ تتصدره الوجوه المستوردة، كان هذا اللقاء "احتفاءً بالوجوه التي تنبت من أرض اليمن". لقد قال الرجلان، دون بيان، إنّ اليمن لا يزال يمتلك قادته الحقيقيين... فقط، يحتاج أن يؤمن بهم الناس مجددًا.