تشهد البلاد منذ سنوات طويلة تدهور مريعا في الخدمات الأساسية كهرباء تتقطع أكثر مما تعمل بنية تحتية متهالكة ماء لا يصل إلا كما تصل الأخبار السارة في هذا الوطن نادرا ومتعثرا وسعر صرف يتقافز كأنه في سباق لا نهاية له حتى بلغ 760 ريالًا مقابل الريال السعودي. وأما الوقود فصار يعامل كمادة مقدسة لا تمنح إلا للقادرين على الدفع بسخاء.
ثم فجأه
وبعد أن ضاق الناس ذرعا وخرج الشباب في المكلا والشحر وفي عدد من مدن ساحل ووادي حضرموت صار ما لم يكن في الحسبان
انخفض سعر الصرف إلى 700 تراجع سعر البنزين وتدفق الديزل إلى محطات الكهرباء كما لو كان عالقا في الزحام ووجد طريقا سالكا إلى وجهته!
فمن كان يملك هذه الأزرار السحرية؟
ومن كان يخنقنا طوال تلك السنوات وهو في يده أن يفرّج لكنه اختار أن يمعن في الخنق؟
أين كانت هذه الحلول؟ ولماذا لم تفعل من قبل؟
أسئلة مؤلمة لكنها تطرح نفسها بقوة ووضوح.
لقد أيقنت اليوم أن الخناق لم يكن بعيدا لم يكن مؤامرة خارجية ولا يدا خفية ولا خصما يتربص بنا من وراء الحدود الخناق كان بيننا يجالسنا يتحدث باسمنا وربما يبتسم في وجوهنا وهو يضغط على أعناقنا.
أيها السادة حين صرخ الناس تحركوا.
وحين هدد الغضب بالانفجار استجابت الآلة الثقيلة للنظام فجأة وكأنها لم تكن مشلولة بل كانت في وضعية الانتظار
وهنا نصل إلى الحقيقة المؤلمة
لم تكن المشكلة في الإمكانيات بل في الإرادة
لم تكن الأزمة في العجز بل في التلاعب
ولم يكن السبب العدو الخارجي كما اعتدنا أن نلقن بل كان الخلل في داخل البيت منا وفينا
إن من يتعامل مع معاناة الناس كورقة تفاوض ومن يستخدم الخدمات الأساسية كأداة ضغط لا يستحق أن يسمى مسؤولًا بل هو خصم حقيقي لحياة كريمة
لقد فهمنا الدرس متأخرين لكننا لن ننساه
من يعطل الكهرباء والديزل والدولة كلها، ثم يفرجها فورا حين تُهدد مصالحه لم يكن عاجزا بل كان متعمدا
وختاما لا يسعني إلا أن أقول بسخرية يائسة
كنا نبحث عن الجاني في الخارج فاكتشفنا أن الجاني يسكن في الداخل وربما يشاركنا المائدة ويصافحنا كل صباح.
وحسبنا الله ونعم الوكيل