اليمن.... أولاً..
في الجغرافيا اليمنية، تقف محافظة أبين كأحد الأعمدة الوطنية الراسخة التي أنجبت رجالًا حملوا على عاتقهم همّ الوطن، وبنوا مجدهم لا من منابر الشعارات، بل من ساحات الفعل، حيث تداخلت السياسة بالعسكر، والقبيلة بالمدنية، والنضال بالاعتدال، فكانت أبين ولا تزال محافظة المواقف الوطنية المشرّفة، والمبادرات الاتحادية، والانفتاح على المستقبل.
أبين.. الجسر بين الجنوب والشمال
لطالما لعبت أبين دورًا فريدًا في التاريخ اليمني الحديث، من خلال موقعها الجغرافي الرابط بين صنعاء وعدن، وبتكوينها الاجتماعي الوسيط بين القبيلة والدولة، وبين الجنوب والعمق اليمني، كانت أبين حلقة الوصل لا حلقة الصدام. ففي لحظات الانقسام، غالبًا ما كانت أبين تقدم نفسها كجسر للحل، وبيئة للحوار، ومنصة للوساطة.
رجال الدولة من تربة أبين
أنجبت أبين عبر العقود نخبة من أبرز القادة السياسيين والعسكريين، الذين تركوا بصماتهم على الدولة اليمنية بشقيها الجنوبي والشمالي. من بين هؤلاء:
1. الرئيس عبد ربه منصور هادي
أول رئيس توافقي في تاريخ اليمن، قاد البلاد في لحظة انهيار ومرحلة انتقالية شديدة التعقيد، وتمكّن رغم ذلك من الحفاظ على مؤسسات الدولة، وصمد في وجه الانقلاب، مستندًا على خلفيته العسكرية والسياسية الطويلة.
2. الوزير أحمد الميسري
واحد من أكثر الشخصيات السياسية ديناميكية وشجاعة في تاريخ اليمن المعاصر. شغل منصب وزير الداخلية، وكان من أوائل من واجهوا مشاريع التفتيت والتبعية، ووقف بصوت واضح ضد التدخلات الأجنبية، مؤمنًا بيمن موحد، عادل، يحترم الجميع ولا يخضع لأحد.
3. الرئيس علي ناصر محمد
القائد والسياسي البارز الذي حكم الجنوب في إحدى أهم مراحله، وتميّز برؤية وحدوية متقدمة، جمعت بين الانفتاح القومي والعدالة الاجتماعية. تعود جذوره إلى محافظة أبين، وقد عرف عنه اعتداله، وسعة أفقه، وسعيه لبناء جنوب مستقر متصالح مع محيطه.
4. سامي السعيدي
مدير المؤسسة الاقتصادية العسكرية في عدن، أحد الكوادر الإدارية الواعدة، يتمتع برؤية اقتصادية متقدمة، وقد لعب دورًا مهمًا في إعادة بناء مؤسسات الدولة في عدن عقب الحرب، ويمثل نموذجًا للكفاءة الإدارية والانتماء الوطني في زمن الانقسامات.
5. الرئيس سالم ربيع علي (سالمين)
حكم الجنوب في مرحلة مفصلية، وكان من دعاة التقارب والوحدة الوطنية. انتهى اغتياله في انقلاب دموي، لكنه ظل في الذاكرة رمزًا للبساطة والنزاهة.
6. الشيخ أحمد صالح العيسي
رجل أعمال وفاعل سياسي من الطراز الأول، له جذور في أبين، ويمثل تحالف البزنس والولاء الوطني، وساهم في دعم الدولة الشرعية لوجستيًا واقتصاديًا في أصعب المراحل.
أبين في لحظات الانهيار.. كانت دائمًا هناك
عندما دخل الحوثيون صنعاء، وانهارت المؤسسات، وأُغلقت العاصمة، كانت أبين من أولى المحافظات التي قدّمت نفسها كمعقل للدولة. استقبلت النازحين، وفتحت مؤسساتها، وتحركت نخبها للدفاع عن الشرعية، وبذلت دماءها دون أن تتباهى.
وعندما حاولت مشاريع السيطرة الخارجية أن تفرض واقعًا جديدًا بالقوة، كانت أبين هي المحافظة الوحيدة التي رفضت التبعية، ودفعت الثمن في معارك شرسة، لم تكن معارك مواقع، بل معارك كرامة.
البُعد الأخلاقي في التجربة الأبينية
لا يمكن الحديث عن أبين دون استحضار أخلاقيات رجالها. فمن الوفاء الذي يُضرب به المثل، إلى النخوة في حماية الجار، إلى الرغبة في السلم دون التنازل عن الحقوق، تتجلى في أبناء أبين قيمة "الفزعة" الوطنية. لم يكن تاريخهم دمويًا، بل سياسيًا راشدًا، ولهذا يحترمهم القريب والبعيد.
اليوم.. ما الذي يجب أن يحدث؟
إن الظروف التي تمر بها اليمن اليوم تستدعي استعادة الدور الأبيني الفاعل، لا في حدود المحافظة، بل على مستوى الوطن كله. فأبين التي قدّمت الرؤساء والوزراء والقادة، ما تزال قادرة على أن تقدّم الحل. لكن ذلك يتطلب توحيد صفوف أبنائها، وتجاوز الخلافات المناطقية، وتأسيس مشروع وطني جامع يعيد لأبين مكانتها كضامن للهوية اليمنية، وشريك في صناعة المستقبل.