في مثل هذا اليوم، شيّعتُ أعز وأغلى وأنبل أخ في حياتي، إنه أخي الذي لم تلده أمي، الشهيد البطل الشيخ سلطان بجاش جراد العطري الصبيحي، رحمه الله تعالى.
كان شاباً بطلاً له صولات وجولات في نصرة الدين والوطن. كم من مواقف لك، يا أخي الشهيد سلطان، هزّت عروش الفاسدين، وأغاظت صدور الحاقدين، وأدمت قلوب السكارى والمنحرفين، وأقلقت راحة الجبناء والمنبطحين، حتى تآمروا عليك في وضح النهار، ليغدروا بك بعبوة ناسفة زرعها أولئك الأنذال في سيارتك.
أرادوا التخلص منك ومن أسرتك، لولا لطف الله بفلذة كبدك، الشبل البطل (قُطْن). لقد أوجعنا رحيلك أيها الفارس. لقد مر عام كامل على فراقك، ومع ذلك، ما زلنا نتابع خيوط تلك الجريمة النكراء التي تتكشف يوماً بعد يوم، وتتضح وجوه المجرمين أكثر فأكثر.
أخي الشهيد سلطان، وإن طال الزمان، فلا تهاون ولا خذلان عن أخذ حقك بالقانون أو بالعرف. سنأخذ بثأرك ممن غدر بك، وممن خطط، ومول، ودفع، وحرّض، وأمر، وتجبر.
نحن جميعاً راحلون، ولا رادّ لأمر الله، لذلك تطمئن قلوبنا ويزداد ثباتنا، ولن نخشى في الله لومة لائم. اسمك يا سلطان ما زال كابوساً يؤرق مضاجعهم، تقشعر منه جلودهم كلما ذُكر. وإن استطاعوا إخفاء الجثمان، فإن روحك تحاصرهم كل يوم، وصدى صوتك لا يغيب عن آذانهم، فلا نوم ولا راحة لهم، بل قلق واكتئاب دائم.
لقد قتلتهم مرتين، في حياتك وفي مماتك. جعلتهم يندمون، ويصرخون ألماً، ولكن بعد فوات الأوان. هم اليوم في حالة من الذعر، كل يوم ينكشف قناع، وتظهر حقيقتهم الإجرامية أكثر.
رغم مرارة الفقد، ما زال الأمل قائماً في أبنائك الأبطال، لمواصلة النضال والسير على دربك العادل. ستظل اسماً خالداً في ذاكرة الناس، وشعلة لا تنطفئ.
قلت لك سابقاً وأنت على قيد الحياة إن الأوغاد سيغدرون بك، لا من باب سوء الظن، بل لأنهم لا يحتملون وجودك. أنت في مجتمع أناني، لا يعرف للوفاء قدراً، ولا للحق وزناً. حذّرتك باكراً، لكن لا حذر من قدر، فالأعمار بيد الله.
أخي الشهيد، لن نغفر لمن خطط، أو استحسن، أو شارك في اغتيالك. كل الأيادي مرصودة، وكل العصابات مكشوفة، وسيأتي اليوم الذي ينالون فيه جزاءهم، طال الزمان أو قصر.
نم قرير العين، فرجالك ما زالوا على العهد، وإن أصابهم الحزن، فهم ثابتون. سلاحهم العزيمة، وهم المنتصرون، بإذن الله.
لن نفرّط في دمك مهما طال الزمن. نعلم أن من تآمروا عليك اليوم يعيشون في قلق دائم، يتخبطون، ويصنعون الأزمات، ويقعون في المآزق، ولن يفلتوا من عدالة السماء.
تذكرتك بالأمس حين دُعيت لحضور جلسة في محكمة الحوطة، بشأن قضية قديمة تتعلق بكتابة رأي في محافظ لحج. كنتَ الضمين، وفوجئت أن القاضي يقول: "ضمينك انتهى، إمّا أن تجدده أو تبقى في الحبس!". سقطت كلماته كالرصاصة، كأنه يقول: لا سند لك اليوم.
هذا الموقف أعادني لوقفتك الشجاعة معي عندما تخلّى عني الجميع، رغم أن قضيتي كانت بسيطة، مجرّد تعبير عن الرأي. والأغرب أن السلطات لم تحرك ساكناً في قضيتك، بينما حركت ملف قضيتي غير المهمة.
لقد أفقدني صوابي كلام وكيل النيابة، الذي كان يتحدث بلا إحساس، وكأنه لا يدرك فداحة ما يقول. أما القاضي، فأصدر أمراً بالحبس فوراً! فقلت لهم: ضميني اغتيل، وما زلت أبحث عن القاتل لينال جزاءه.
تمنيت أن يشعروا بكلماتي، لكن لا حياة لمن تنادي.
الغريب أن بعض المسؤولين اليوم يشترون الولاءات، ويسيطرون على كل شيء بأموالهم، ويقلبون الحق باطلاً. إذا كان القانون في صفهم، تمسكوا به، وإن لم يكن، لجأوا إلى العرف.
حين تم اغتيال الشهيد سلطان، لم تتحرك أي جهة أمنية أو سلطة محلية، بل تحركت قوات حمدي شكري وحدها، لأن الضابط المستهدف كان من أفرادها، لا لأن الجريمة وقعت في نطاقهم.
أما في القضايا العادية، إذا أخطأ شخص عادي واعتذر، لا يُقبل منه العرف ولا القانون، لكن حين يكون الجاني مسؤولاً، يتعاون الجميع لتجميد القضية وكأنها لم تكن!
هذه ظواهر دخيلة على مجتمعنا، لم نكن نعرفها قبل عام 2015.
كتبه: إبراهيم العطري - 5 أغسطس 2025