في زحمة التناقضات التي تعصف بالمشهد اليمني، ووسط ضبابية الاصطفافات وتضارب الولاءات، يطل علينا اسم أحمد الميسري كأحد تلك العلامات الفارقة التي غابت عن الساحة، ليس لانعدام التأثير، ولكن لفرط الضجيج الذي تعمّد تهميش الصوت الوطني الصادق.
لقد كان الميسري، وزير الداخلية الأسبق، أكثر من مجرد مسؤول أمني في مرحلة انتقالية صاخبة. لقد مثّل الميسري اتجاها نادراً من القادة الذين جمعوا بين النزاهة الشخصية، والجرأة السياسية، والوضوح في الرؤية. لم يكن رجل توازنات رمادية، بل كان صريحًا حد الصدام، شجاعًا حد المواجهة، ووطنيًا حد الإقصاء.
الميسري في وجه الإملاءات
حين بدأ منطق اللادولة يعلو على الدولة، وحين أصبح قرار السيادة اليمنية مرهونًا بالتحالفات الخارجية، وقف الميسري ليقول لا. قالها أمام الكاميرات، وقالها في الاجتماعات المغلقة، وقالها في قلب عدن
لقد دفع الميسري ثمنًا باهظًا لموقفه. أقصي من المشهد، وشُنّت ضده حملات إعلامية ممنهجة، وصُوّر وكأنه خطر على المشروع اليمني والعربي، بينما الحقيقة أن الميسري كان صمام أمان لمشروع اليمن، ودرعًا حقيقيًا ضد التمزق، لأنه كان يرى في استقلال القرار اليمني الخط الأحمر الأول الذي لا يُقبل تجاوزه.
بين الحضور والغياب: أين البوصلة؟
ما نعيشه اليوم من فراغ قيادي، ومن تخبط في الخيارات، ومن غياب مشروع وطني جامع، يؤكد أن غياب الميسري عن مركز القرار لم يكن عبثًا، بل كان نتيجة إدراك خصوم الداخل والخارج أنه يمثل "بوصلة" حقيقية قد تعيد الاتجاه نحو الوطن، لا نحو الوكلاء.
البوصلة التي ضيعناها، لم تكن مجرد شخص، بل كانت رؤية متكاملة لليمن الجديد: دولة القانون، لا دولة السلاح. دولة المؤسسات، لا دولة المشاريع الصغيرة. دولة السيادة، لا دولة التبعية.
ربما آن الأوان أن نعيد التفكير. أن نعيد طرح سؤال الميسري، ليس من باب الحنين، بل من باب المصلحة الوطنية. فاليمن، في هذه اللحظة التاريخية، لا يحتاج إلى رموز رمادية ولا إلى أدوات ناعمة. إنه يحتاج إلى شخصيات لديها شجاعة المواجهة، ونظافة اليد، وصدق الانتماء. وكلها صفات اجتمعت في رجل واحد: أحمد الميسري.
في ختام هذا المقال، أقول:
لم تكن المشكلة يومًا في الميسري، بل في من أرادوا للوطن أن يضيع، فأقصوا بوصلته.