د. علي العسلي
أكد الرئيس رشاد العليمي، في لقائه أمس الأربعاء بالرياض مع المبعوث الأممي، أن الطريق إلى سلام مستدام لا يمر عبر تفاصيل فنية أو تفاهمات جزئية، بل يبدأ من معالجة جذر المشكلة المتمثلة في تفكيك البنية العنصرية والعسكرية للحوثيين، ودفعهم إلى التخلي عن مشروعهم السلالي الذي يضعهم فوق المجتمع، ويجعل من السلام لديهم مجرد وسيلة للمراوغة.
وفي السياق نفسه، جاءت إحاطة المبعوث الأممي هانس غروندبرغ أمام مجلس الأمن لتشكل نقلة نوعية، إذ تميزت بتسمية الحوثيين بشكل مباشر كمعرقلين للعملية السياسية، ورفض الإجراءات الأحادية المتمثلة في إصدار عملة مزورة تدخل ضمن جرائم غسل الأموال بحسب القانون اليمني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والغرض منها تقويض وحدة الاقتصاد. كما ربطت الإحاطة بين هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وتفاقم الأزمة الإنسانية، وأعطت لأول مرة ملف الموظفين الأمميين المحتجزين أولوية واضحة، مطالبة الحوثيين بلغة صريحة بإطلاقهم فورًا.
هذه اللهجة كسرت الانحياز الضمني والدلال الدبلوماسي الذي اعتادت الجماعة أن تجده في خطابات المبعوثين السابقين، حتى إنها أربكت الحوثيين إلى حد تهديد غروندبرغ علنًا بإنهاء مهمته، وكأنه موظف لديهم. الرد الحوثي جاء انفعاليًا، إذ حاولت الجماعة تبرير إصدار العملة الجديدة بأنه "حماية للاقتصاد"، وتعزيزاتها العسكرية بأنها "رد طبيعي"، بينما تكشف هذه الممارسات بجلاء نواياها في إطالة أمد الحرب. كما أن تهديدها للمبعوث الأممي يعكس خشيتها من أن تتحول لهجته الواضحة إلى قرارات ملزمة من مجلس الأمن تقلّص من هامش مناورتها.
أمام هذه المستجدات، تبدو الشرعية مدعوة لاستثمار وضوح المبعوث الأممي في تقوية تحالفاتها الدبلوماسية، فيما يُفترض على مجلس الأمن أن ينتقل من دائرة الإدانة اللفظية إلى الإجراءات العملية، من خلال ربط المساعدات الاقتصادية بوقف الانتهاكات الأحادية. كما أن المبعوث الأممي نفسه يقف أمام اختبار حقيقي: هل يواصل بلهجته الواضحة أم يتراجع تحت ضغط الحوثيين؟
بين موقف الرئيس العليمي الصريح وإحاطة غروندبرغ الجريئة، تتكشف ملامح مرحلة جديدة؛ فالداخل الشرعي يدرك أن السلام يبدأ من تفكيك مشروع الحوثي، والخارج الدولي بدأ يميل إلى تسمية الأشياء بمسمياتها وتحميل الحوثيين المسؤولية بشكل مباشر. إنها لحظة فارقة يمكن البناء عليها، شريطة ألا تكتفي الأمم المتحدة بإدارة الأزمة، بل أن تمهد لسلام حقيقي يوقف الحرب ويمنع إعادة إنتاج الاستبداد تحت أي غطاء.
خميس سعيد وجمعة مباركة.