آخر تحديث :الإثنين-01 سبتمبر 2025-07:01م

صفعة الكرامة...!!

الأحد - 31 أغسطس 2025 - الساعة 08:38 ص
منصور بلعيدي

بقلم: منصور بلعيدي
- ارشيف الكاتب


عاشت الهند 173 سنة تحت الاستعمار البريطاني، وفي أحد أيام هذا الاحتلال الطويل والكئيب، حدث أن صفع ضابط بريطاني مواطناً هندياً على وجهه.

كانت ردّة فعل المواطن الهندي قوية، حيث صفع الضابط صفعة قوية أسقطته أرضًا.

دهش الضابط البريطاني من الشجاعة المفاجئة، ومن هول الصدمة انسحب وهو في قمة العجب، يتساءل كيف تجرأ مواطن هندي على صفع ضابط في جيش إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس؟

اتجه الضابط إلى مركز قيادته ليبلغهم بما حدث، طالبًا المساعدة لمعاقبة ذلك المواطن الذي ارتكب جرماً لا يغتفر. لكن القائد الكبير هدّأ من روعه، وأخذه إلى مكتبه، وفتح خزينته، وأعطاه 50 ألف روبية، وقال له: "خذها واذهب إلى المواطن الهندي الذي صفعت وسلمها له واعتذر له."


جن جنون الضابط، واحتج مستنكرًا: "أنا من له الحق في صفعه وإذلاله، لقد صفعني وهو لا يملك الحق، هذه إهانة لي ولجيش بريطانيا، بل إهانة لصاحبة الجلالة ذاتها."

قال القائد: "اعتبر هذا أمرًا عسكريًا، نفذه دون نقاش."


امتثل الضابط، وأخذ المبلغ، وذهب إلى المواطن الهندي، وقال له: "أرجوك أن تقبل اعتذاري، لقد صفعتك، ورددت لي الصفعة، وأصبحنا متساويين، وهذه 50 ألف روبية هدية لك."

قبل المواطن الهندي الاعتذار والمال، ونسي أنه صفع على تراب وطنه من مستعمر يحتل أرضه.

كانت تلك الـ50 ألف روبية في تلك الفترة ثروة طائلة، فبدأ تاجراً وأصبح من رجال الأعمال، ونسي الصفعة تمامًا. لكن البريطانيين لم ينسوا أبدًا صفعة الهندي للضابط.


وبعد فترة زمنية، استدعى القائد البريطاني الضابط، وقال له: "هل تتذكر المواطن الهندي الذي صفعك؟"

قال الضابط: "كيف أنساه؟"

قال القائد: "حان الوقت لترد له الصفعة."

أمره أن يذهب ويصفعه أمام أكبر حشد من الناس.

قال الضابط: "يا سيدي، لقد صفعني وهو لا يملك شيئًا، أما اليوم فقد أصبح من رجال الأعمال وله أنصار وحراس، فهو لن يصفعني فحسب، بل ربما يقتلني."

قال القائد: "لن يقتلك، اذهب ونفذ الأمر دون تردد."


امتثل الضابط، وذهب إلى المواطن الهندي، الذي كان محاطًا بأنصاره وخدمه وحراسه، وتقدم وصفعه بكل قوته، حتى أسقطه أرضًا، ولم يبدِ الهندي أي رد فعل، بل لم يجرؤ على رفع نظره في وجه الضابط.


اندهش الضابط، وعاد مسرعًا إلى قائده، وقال: "في المرة الأولى رد لي الصفعة وهو فقير ووحيد، واليوم وهو يملك من القوة ما لا يملكه غيره، لم يجرؤ على قول كلمة ناهيك عن الصفع. كيف ذلك يا سيدي؟"

قال القائد: "في المرة الأولى، كان يملك فقط كرامته، فدافع عنها لانها اغلا مايملك . أما الآن، بعد أن باع كرامته مقابل 50 ألف روبية، وارتبطت مصالحه بمصالحنا، فلن يدافع عنها، لأنه يملك ما هو أهم منها."

وحين استلم ثمن كرامته مقدمًا، برر لانصاره صفعتك له اليوم، قال لهم: "لم أرد عليه الصفعة لأنني خفت أن تتهوروا، فيصيبكم أذى."


وهذا هو ما يفعله المستعمر الأجنبي، بالأمس واليوم، وغدًا، ليصنع حاشيته من الفاسدين الذين باعوا ضمائرهم وأوطانهم مقابل مصالحهم، ويصفعون على الملأ، ويقبلون الدنية في دينهم ووطنهم.


*إياك أعني وافهمي يا جارة!!*