صلاح الدين الأسدي
تعيش مناطق سيطرة المليشيا الحـ.وثية في هذه الأيام حمى التحشيد لفعاليات المولد النبوي، وسط ضجيج إعلامي ودعائي يحاول الإيحاء بأن الجماعة وحدها من يحمل راية محبة الرسول صلى الله عليه وسلم. غير أن المتابع المتجرد يكتشف أن ما يجري لا علاقة له بمحبته ولا بسيرته العطرة، وإنما هو استغلال فجّ لاسم النبي في خدمة مشروع سياسي وطائفي بامتياز.
المولد لدى الحـ.وثيين ليس مناسبة روحية بقدر ما هو موسم للجبايات، إذ تُفرض على التجار والشركات والمؤسسات إتاوات مالية ضخمة تحت لافتة "دعم المولد"، بينما يعيش الموظفون بلا مرتبات منذ سنوات، والأسر الفقيرة تبحث عن لقمة العيش في ظل انهيار الأوضاع الاقتصادية.
المفارقة أن القرآن الكريم قد حسم المسألة في قوله تعالى: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين"، ليقطع الطريق أمام كل محاولات نسب باطل أو ادعاء سلالي يريد الحـ.وثيون ترسيخه عبر هذه الفعاليات.
الهدف السياسي لا يقل خطورة عن الهدف المالي، فالمليشيا تسعى من خلال الحشود المصورة إلى إيهام الداخل والخارج بأنها تملك قاعدة شعبية راسخة، بينما الحقيقة أن غالبية الحضور يُجبرون على المشاركة تحت تهديد فقدان أعمالهم أو التعرض للمساءلة الأمنية.. وفي المقابل، تمنع الجماعة أي فعالية وطنية حقيقية مثل الاحتفاء بذكرى ثورة 26 سبتمبر، لأن هذه الذكرى تعني نهاية الكهنوت، وهو ما ينسف مشروعهم القائم على التسلط السلالي.
أما على الصعيد العقدي، فإن ادعاء الحـ .وثيين محبة النبي يتناقض مع ممارساتهم العملية، فهم الذين ينكرون معظم الأحاديث النبوية، ويطعنون في الصحابة الكرام، ويستخدمون النصوص الدينية لتبرير مشروعهم الطائفي .. ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ما يجري اليوم في اليمن من استغلال لاسمه الشريف، لواجه هذه الخرافات وكشف غوايات من أسماهم الناس بـ"غبار التاريخ".
إن الاحتفال الحقيقي بمولد النبي الكريم يكون عبر إحياء سنته في المساجد والمدارس والجامعات، وتعليم الأجيال مكارم أخلاقه وعدله ورحمته، وتوظيف الأموال المنهوبة في خدمة الناس وصرف رواتب الموظفين، لا في دعم خزائن الحرب ومكاتب المشرفين.
وهكذا، يتضح أن المولد الحوثي ليس احتفاءً برسول الإنسانية، بقدر ماهو ابتداع سياسي ومالي وإعلامي يُستخدم لنهب المواطنين وتضليل الرأي العام، فيما يبقى حب النبي صلى الله عليه وسلم أعظم وأسمى من أن يُختزل في شعارات زائفة أو أعلام خضراء ترفرف فوق جوع الناس ومعاناتهم.