آخر تحديث :الخميس-23 أكتوبر 2025-02:37ص

أطفال المجد ينامون على الجوع

الإثنين - 08 سبتمبر 2025 - الساعة 06:16 م
أحمد حوذان

بقلم: أحمد حوذان
- ارشيف الكاتب


​كانت أصوات قذائف الهاون تخفت تدريجياً، ليفسح المجال لهمس الريح الحاملة لغبار المعركة. في هذا الصمت المثقل بالأسى والبطولة، كانت الأرواح تصعد، وتُكتب أسماء لا تُحصى على جداريات مقابر في تعز، الضالع، عدن، أبين، لحج، البيضاء، شبوة، الجوف، ومأرب. أسماء كثيرة لا أحفظها، لكنها محفورة في ذاكرة الأرض التي سُقيت بدمائهم. كل اسم يحكي قصة، وكل شاهد قبر يروي حكاية بطلٍ أوفى بعهده.


​في خضم هذا الصمت، وقف أحمد، جندي لم يبلغ العشرين بعد، ينظر إلى صورة أخيه سالم المعلقة في رقبته. سالم ليس مجرد أخ، هو شهيد. اسمه منقوش بحروف من نور على جدران هذا الوطن، لكن اسمه في قوائم الحكومة مجرد رقم، ورقمٌ قديمٌ لا يُحدّث. تذكر أحمد كلمات قائده وهو يصرخ فيهم: "لا تدخروا جهداً في الدفاع عن أرضكم. هذا الوطن أمانة في أعناقكم". وقد أوفى الجميع بعهدهم، منهم من أوفى بروحه، ومنهم من بقي بجراح تحكي قصة وفائه. ولكن ماذا عن الوطن الذي أقسموا بحمايته؟ هل أوفى بعهده لهم؟ هل تذكّر شهداءه وجرحاه؟


​في زاوية أخرى من المستشفى، يجلس علي، وقد بُترت ساقه، يتأمل العكاز الذي أصبح رفيقه الدائم. كانت رائحة المطهرات تخنق أنفاسه، بينما كان يحلم برائحة الأرض التي يعشقها في قريته. كان يحلم أن يركض مرة أخرى، أن يعود ليساعد أباه في حرث الأرض. لكن الحلم تبدد. واليوم، لا يطلب أكثر من حقه. راتبه الذي لا يأتي، لا يكفي حتى لشراء الأدوية أو لتوفير الخبز لعائلته. يتساءل في نفسه بصوت خافت يختلط بالألم: "كيف لدمنا أن يصبح ورقة في يد موظف لا يشعر بوجعنا؟"


​هذه ليست مجرد قصص فردية أكتبها للشهرة والنيل من القيادة، بل هي آلاف الروايات التي تتكرر في كل بيت، وفي كل مستشفى، وفي كل زاوية من زوايا هذا الوطن. إنها رواية الوجع الصامت الذي لا يترجمه إلا الجوع والألم، واليأس الذي ينمو في قلوب من قدموا كل ما يملكون من أجل قضية الوطن.


​رسالتهم واضحة، ليست بحاجة إلى فذلكة أو تبرير. أوقفوا كل شيء، إلا رواتب الشهداء والجرحى. فدموع الأمهات الثكلى لا يمكن تأجيلها، ووجع الجرحى لا يمكن تأخيره. تضحياتهم ليست للتفاخر أو الفندقة في فنادق بعيدة، بل هي ثمن الحرية الذي دفعوه بدمائهم وأشلائهم.


​إلى الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وإلى كل مسؤول في الحكومة الشرعية، وفي الجهات المعنية: هؤلاء هم من كتبوا صفحات الوطن بيضاء بدمائهم، صنعوا لكم مجداً ووطناً وجمهورية بدعم قادات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. بعد أن كادت البلاد تسقط في وحل الإمامة الجديدة، وقف هؤلاء الأبطال سدًّا منيعًا. إنهم ليسوا مجرد أرقام في كشوفات، بل هم تاريخ هذا الوطن، وضميره، ومستقبله. فهل تسمعون نداءهم؟ وهل تترجمون وفاءهم إلى فعل؟