قراءة قرآنية في واقع سياسي متوتر
(تحرير صحفي مستلهم من رؤية تحليلية دينية وسياسية)
منذ إعلان قيامها عام 1948، شهدت إسرائيل تحولات استراتيجية جعلتها اليوم في موقع غير مسبوق من القوة والنفوذ الإقليمي.
فهي تضرب في عمق الشرق الأوسط دون رادع، وتخترق الحدود السياسية والعسكرية، ضاربةً بالقانون الدولي عرض الحائط، في مشهد يصفه كثيرون بأنه "علوٌّ كبير" لم تشهده المنطقة من قبل.
هذا الواقع، وإن بدا سياسياً في ظاهره، يجد له صدى في النص القرآني، وتحديداً في سورة الإسراء، حين يقول الله تعالى:
> _"وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا"_
وهو تعبير يحمل دلالات التمادي في القوة والهيمنة، ويبدو متسقاً مع سلوك إسرائيل في هذا العصر، حيث تتحرك بحرية جوية وبحرية عسكرية، وتفرض واقعاً جديداً لا يعترف بحدود أو قوانين.
*من العلو إلى الانحدار: وعد النهاية.*
القرآن الكريم لا يكتفي بوصف العلو، بل يتحدث عن نهايته، ويحدد أدواته:
> _"فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ"_
كلمة "بعثنا" هنا تحمل دلالات عميقة، فهي تشير إلى إحياء بعد موت، إلى يقظة بعد غفلة، إلى انتصار بعد هزيمة.
وكأن هذا البعث يأتي من قلب المأساة، من تحت الركام، من حيث لا يُتوقعه احد .
وهؤلاء "أولو البأس الشديد" لا يشترط أن يكونوا جيشاً نظامياً، بل رجالاً تجمعهم القوة والإرادة، كما ورد في قصة بلقيس:
> _"قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ"_
وهذا يفتح الباب أمام احتمالات متعددة، فربما يكون البعث من غزة، من بين أنقاضها، من شعبها الذي لم ينكسر رغم الحصار والدمار.
*قراءة في المفارقة التاريخية*
ما يثير التأمل هو التزامن بين تصاعد العلو الإسرائيلي وبين اشتداد الأزمات الإنسانية في فلسطين، خصوصاً في غزة.
فكلما ارتفعت إسرائيل في علوها، بدا أن الأرض تحتها تغلي، وأن البعث يقترب، لا من جيوش تقليدية، بل من إرادة شعبية لا تُقهر.
العلو الكبير، كما تصفه الآية، ليس نهاية القصة، بل بداية التحول. فالتاريخ لا يحتفظ بالقوة إلى الأبد، والقرآن يضع نهاية لهذا العلو، مشروطة ببعثٍ إلهي، لا يُعرف توقيته، لكنه يحمل وعداً لا يُخلف.
*بين النص والواقع: هل اقترب الوعد الحق.؟*
في ظل ما تشهده المنطقة من تحولات، يبقى السؤال معلقاً: هل نحن على أعتاب "البعث"؟
هل بدأت ملامح "أولي البأس" تتشكل؟
هل غزة، التي تبدو في ظاهرها منهكة، تحمل في باطنها بذور الانبعاث؟
القرآن يختم هذه الرؤية بقوله:
> _"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"_
وهي عبارة تختزل كل التوقعات، وتفتح الباب أمام مفاجآت التاريخ التي لا تُقرأ إلا بعد وقوعها.
في النهاية، تبقى إسرائيل في علوّها، وتبقى غزة في صمودها، ويبقى الوعد الإلهي في الانتظار.
وبين هذا وذاك، تتشكل ملامح مرحلة جديدة، لا تُقرأ فقط في تقارير السياسة، بل في آيات الكتاب، وفي نبض الشعوب.