آخر تحديث :الجمعة-19 سبتمبر 2025-02:19ص

معرض للكتاب في أرض الوعول

الخميس - 18 سبتمبر 2025 - الساعة 10:30 م
د. عبدالحكيم باقيس

بقلم: د. عبدالحكيم باقيس
- ارشيف الكاتب


خبر مبهج في زمن العتمة، ومهرجان ثقافي مهم، أخذ يتكرر في الأعوام الأخيرة، ومفاده: في يوم السبت القادم (20 /9 /2025) من المقرر افتتاح الدورة السادسة لمعرض الكتاب في شبوة للعام 2025، والذي تقيمه الهيئة العامة للكتاب في المحافظة، فكرة جميلة سامية تعيد الاعتبار إلى أهمية الكتاب واستعادته إلى حياتنا بعد غياب طويل، في ظل الأوضاع والتقاطبات التي فرضتها ظروف الحرب وصراعاتها، ذلك أن معارض الكتب باتت نادرة، والمعلن عنها سرعان ما يتم إجهاض فكرته في مدن البسط والنهب والاستحواذ، على الأقل هذا ما نلاحظه في المحافظات الجنوبية، ومن شواهده تراجع المبادرات الثقافية، لكن شبوة التاريخ والحضارة والقيم هي الاستثناء الجسور، تحاول دائمًا أن تعبر من زمن الغياب إلى الحضور الملهم، وتلفت الأنظار إليها من خلال العديد من الفعاليات التراثية والثقافية، ومنها هذا المعرض للكتاب الذي يدخل هذ العام عمره السادس، ويخلق في كل دورة نموًا وتراكمًا طيبًا في تحدي اجتياز الفكرة لأية اختناقات أو عثرات باتجاه الاستمرار والتطور، بكل ما يحمله هذا التحدي من دلالات ومعان عديدة، منها كونه استجابة فعلية لرغبة جيل من الشباب وشرائح عديدة من القراء في هذه المحافظة التي ظلت عقودًا طويلة في دائرة الاستبعاد والتهميش على كل المستويات، وفي ظل محاولات كل العابرين على الحكم شمالًا وجنوبًا حشرها في صورة نمطية سلبية لا تعبر عن حقيقتها وأصالتها وإمكانياتها العظيمة في التاريخ والثروة والجغرافيا.

وفي كل الأحوال قد تبدو فكرة المعرض بسيطة نظريًا، غير أن واقع الحال يمدّنا بمؤشرات طيبة، تقول إن المعرض هذا العام أفضل مما مضى، من حيث التنظيم والإعداد وعدد عناوين الكتب، والمكتبات ودور النشر المشاركة، ويكفي هنا أن نشير أن دار عناوين بوكس، بوصفها أكبر ناشر للكتاب اليمني، وتطوف كتبها كل معارض الكتب العربية والدولية، قررت هذا العام أن تشارك في معرض شبوة للكتاب، فضلا عن دور نشر أخرى سابقة عريقة في مجال النشر، ما يخلق أفقًا مبشرًا في اتساع دائرة المعرض إلى كل جديد ثقافيًا ومعرفيًا، وذلك بفضل الجهود الكبيرة التي يبذلها الأستاذ خالد فرج مدير الهيئة العامة للكتاب في شبوة، وبدعم أكيد من مختلف السلطات المحلية، بداية بالمحافظ عوض بن الوزير ومكتب الثقافة وصولا إلى العديد من الدوائر والأفراد المجهولين، فبوركت الجهود وتكللت بالنجاح.

كنت منذ سنوات خلت، قد نشرت مقالا عن ظاهرة غياب معارض الكتب في اليمن، وقلت في هذا المقال "بأن مدينة بلا كتاب جديرة بأن تسكنها الأشباح" يبدو أن شبوة تطرد الأشباح دائمًا بالوعي والكتاب والكتابة، وكأنما هذا المعرض وما يمكن أن يرافقه من فعاليات أشبه بتميمة في وجه الظلمة والغياب.

وغني عن البيان أن في شبوة شخصيات ثقافية عديدة مشرقة ومتألقة من مختلف الأجيال والمراحل، وفي مختلف الآداب والفنون، فهي منبت الشعر والشعراء الشعبيين، حيث كل صخرة أو حجر توشك أن تنشدك قصيدة أو تمنحك معنى أصيل، وفي الموروث هي خزينة المرويات الشفاهية، إذ توشك كل نخلة أن تروي لك أثرًا أو حكاية ملهمة، في ترابها تخلقت كيمياء من خصوبة الأجيال في الإبداع، شعراء شِبية وشبابا من مختلف الألوان الشعرية، وسراد واقعيون ومعاصرون في القصة القصيرة والرواية، ولمَ لا؟! فجبالها التي تسكنها الوعول والصقور سجلات من كتابات ونقوش ومدونات الأسلاف ومآثرهم، شبوة أرض خصبة بالثروة والإنسان، وينقصها تأسيس مؤسسة ثقافية كبيرة تُعنى بكتابها وشبابها وامتداداتها في حكايات التاريخ والحاضر والمستقبل.