آخر تحديث :الأحد-26 أكتوبر 2025-03:58م

ماذا سيقدم الحوثي إذا توقفت الحرب في غزة؟

الجمعة - 03 أكتوبر 2025 - الساعة 11:28 ص
صلاح الطاهري

بقلم: صلاح الطاهري
- ارشيف الكاتب


مع تصاعد الأحداث في غزة الأخيرة، يصبح المشهد واضحاً لكل من يتابع السياسة الإقليمية واليمنية على حد سواء، فالحوثي لم ينظر إلى الحرب في فلسطين باعتبارها أزمة إنسانية بحتة، بل إعتبرها أداة استراتيجية يمكنه إستثمارها لصالحه الداخلي، محولاً الإنتباه العالمي نحو غزة بعيداً عن معاناة اليمنيين اليومية الذين يعيشون تحت حصار مستمر وظروف إقتصادية قاسية وأزمات لا حصر لها.

كل خطاب تأييدي أو تهديد إقليمي، وكل صورة لشعارات التضامن مع الفلسطينيين، لم تكن مجرد تعاطف مع قضية عادلة، بل كانت جزءاً من حسابات معقدة هدفها الأساسي إبقاء اليمنيين تحت سيطرته وتعزيز قبوله داخلياً ،مستفيداً من أي فرصة خارجية لتضليل الرأي العام الداخلي وإضفاء شرعية رمزية على سلطته، في حين تتفاقم حياة المواطنين يوماً بعد يوم بلا حماية أو دعم حقيقي. الحرب في غزة كانت بالنسبة له نافذة إعلامية وسياسية، وسلاحاً يستخدمه ليظهر كلاعب إقليمي مؤثر، قادر على كسب تعاطف بعض الأطراف أو دعمها، بينما يستمر في قمع اليمنيين وتحجيم حرياتهم الأساسية دون أن يشعر أحد بالتقصير تجاههم.


إذا توقفت الحرب في غزة، فإن هذا التوقف لن يكون مجرد لحظة إنسانية على الأرض الفلسطينية، بل اختباراً حقيقياً لكشف نوايا الحوثي وأهدافه الداخلية، إذ ستتضح اللعبة التي كان يمارسها طيلة السنوات الماضية، وهي إستخدام الأزمات الخارجية لتغطية فشله الداخلي وأستمرار سيطرته على رقاب اليمنيين. سيبقى الحوثي يحاول تقديم نفسه كطرف مسؤول متضامن مع القضايا الإنسانية الكبرى، لكنه في الواقع سيستمر في تعزيز سلطته المحلية، مستثمراً الرمزية الإعلامية للغضب العالمي لصالحه، بينما يستمر اليمنيون في مواجهة تحديات الحياة اليومية. هذه اللعبة الاستراتيجية تكشف أن أي توقف للنار في غزة قد يضع الحوثي أمام اختبار مزدوج، داخلياً وخارجياً، فمن ناحية سيحتاج إلى إستثمار الفرصة للظهور بمظهر المسؤول والفاعل، ومن ناحية أخرى سيظل مضطراً للحفاظ على قبضته على الداخل، فالحقيقة أن الحرب في غزة لم تكن بالنسبة له مجرد أزمة إنسانية بل أداة لتأكيد سيطرته على اليمن، وللتذكير اليومي للمواطنين بأن سلطته لا يحدها إلا الأزمات الكبرى في الخارج، وأن أي هدنة أو توقف صراع لن يغير من الواقع الداخلي شيئاً إلا على المستوى الرمزي والإعلامي.

في النهاية، يظل ما يقدمه الحوثي رمزياً أكثر منه حقيقياً، إذ أنه يستثمر كل حدث خارجي لتحقيق مكاسب داخلية، ويجعل من أي أزمة إنسانية فرصة لتثبيت سلطته السياسية والعسكرية، وهو درس واضح لكل اليمنيين بأن الحرية والعدالة لن تأتي إلا من مواجهة الواقع الداخلي بكشف السياسات وأستنهاض القوى المجتمعية، وليس بالإعتماد على الانشغال بالقضايا الإقليمية التي يستخدمها الحوثي كغطاء لإدامة هيمنته.

الحرب في غزة لم تكن أداة للإنسانية بالنسبة له، بل وسيلة لصناعة سلطة مستمرة، ووقف أي تقدم حقيقي لليمنيين، وهو ما يجعل أي توقف لهذه الحرب فرصة لرؤية اللعبة الحقيقية خلف الخطابات الرمزية والأدعية التضامنية، وفهم كيف يتم إستغلال الأزمات الكبرى في الخارج لتثبيت السيطرة على الداخل دون رادع أو مساءلة.