بقلم/ م. فضل علي مندوق
في لحظة تاريخية تمر بها البلاد، تتعالى الأصوات المطالبة بالاحترام والحقوق واستعادة أمل العيش الكريم، تبرز قضية إنسانية ووطنية تستحق وقفة جادة من كل ذي مسؤولية وضمير حي. إنها قضية الأستاذ أحمد أحمد حميدان، الرمز التربوي الشامخ الذي أفنى عمره في تعليم الأجيال وغرس قيم العلم والانضباط والمواطنة منذ أواخر السبعينات. لم تكن مدرسته يوماً مجرد مكان لتدريس المناهج، بل كانت منارة تشع بقيم النزاهة والوطنية، تخرج على يديه آلاف الطلاب الذين يشغلون اليوم مواقع قيادية في الدولة، حاملين في ذاكرتهم دروسه التي شكلت وعيهم وغرسّت فيهم حب هذا الوطن.
الأستاذ حميدان ليس مجرد اسم بين المحتجزين، بل هو ضمير تربوي حي، شيخ كبير في السن، يعاني من المرض والتعب، يحتاج إلى الرعاية والاهتمام بين أهله، لا إلى القيود والزنازين. إن احتجازه، إلى جانب الناشط الشيخ هاني اليزيدي، لمجرد التعبير السلمي عن رأي يتعلق بمعاناة الناس من توقف الخدمات وتردي الأوضاع المعيشية، أمر يثير الحزن والأسى، ويطرح تساؤلات جادة حول المسار الذي نريده لعدن والجنوب بأكمله.
الدعوات المتعددة للإفراج عنهما، من شخصيات وطنية مرموقة مثل مستشار رئيس الجمهورية الأستاذ ياسين مكاوي، ومن مؤسسات مجتمعية كالتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، وكذلك من أبناء الشعب من فنانين ومثقفين وناشطين، ليست سوى تعبير عن إرادة جماعية ترفض أن يكون القمع بديلاً عن الحوار، وأن يكون الانتقام من أصحاب الرأي رد فعل على المطالب المشروعة. هذه الأصوات تدرك أن استقرار عدن وأمنها لا يتحققان بالإجراءات الأمنية القاسية، بل بترسيخ العدالة والاحترام، وباستعادة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
ونحن نستحضر اليوم أمجاد ثورة 14 أكتوبر المجيدة، التي كانت من أجل كرامة الإنسان وحقه في حياة كريمة، نجد أنفسنا أمام امتحان حقيقي لمعنى هذه الذكرى. هل نكرس مبادئ الثورة باحترام حرية التعبير والحق في الحياة الآمنة، أم نخونها بصمتنا على انتهاكات تمس كرامة من حاربوا من أجل هذه الأرض؟ الأستاذ حميدان عاش مرحلة الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني، وتخرج على يديه من قادوا المراحل اللاحقة، فكيف يُعقل أن يُعامل بهذه الطريقة وهو في عمر الوفاء والعطاء؟
إننا نوجه نداءً قلبياً إلى الجهات المختصة، إلى كل من يملك قراراً أو تأثيراً، إلى ضمائر المسؤولين الأحياء، طالبين التدخل العاجل والإفراج الفوري وغير المشروط عن الأستاذ أحمد حميدان والشيخ هاني اليزيدي. إن الإفراج عنهما ليس تنازلاً، بل خطوة ضرورية لتصحيح المسار، وإعادة الاعتبار لعدن كعاصمة مدنية للدولة، وترميم الجسور مع شعبٍ تحمل الكثير ولا يزال يؤمن بالغد الأفضل.
إنها لحظة الحكمة والمسؤولية، لإثبات أن الدولة هي دولة القانون والمؤسسات، التي تحمي حقوق مواطنيها ولا تنتهكها. الإفراج عن هذين الرمزين سيكون رسالة طمأنينة لكل أبناء عدن والجنوب، بأن صوت الحق مسموع، وأن مكانة الرموز الوطنية مصانة، وأن المستقبل سيكون للعدل والحرية واحترام الحقوق الإنسانية.