آخر تحديث :الأحد-16 نوفمبر 2025-11:38م

بلاد الأنبياء الجدد ومانديلا كل صباح !

الإثنين - 10 نوفمبر 2025 - الساعة 06:31 م
نجيب الكمالي

بقلم: نجيب الكمالي
- ارشيف الكاتب


في هذا الوطن العجيب، يظهر كل صباح في صنعاء نبيّ جديد، وكل مساء يُبعث مانديلا من جديد. وفي خضم هذا الهراء والأكاذيب، يبيع أبناء صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة، خاصة الموظفون الذين انقطعت رواتبهم منذ عشر سنوات، أثاث بيوتهم بعد أن أصبحت العملة الوحيدة المتداولة لديهم هي الصبر والمعاناة. الأطفال ينامون على بطون فارغة، والأمهات يكافحن لتأمين أبسط لقمة، في حين يرفع القادة شعارات تتباهى بالوطنية والقومية والوهم، ويجمعون الناس بالقوة والصور الجماعية ليؤكدوا للعالم أنهم على رأس الأمور، بينما الواقع يقول غير ذلك.


أما في مناطق الشرعية، فيبرز المسؤولون كل صباح أنفسهم كأبطال عالميين، وكأنهم مانديلا، بينما لا يتجاوز حجم نفوذهم شاشة هاتف يتباهون عبرها بالشعارات والخطابات. هناك، حرية النقد ربما هي العملة الوحيدة المتاحة، لكنها، مثل كل الألقاب والأوهام، لا تُشبع جائعًا ولا تُبني وطنًا. مدارس التعليم مهددة بالتوقف بسبب انقطاع الرواتب، المستشفيات مهددة بالإغلاق، ونقص الأدوية حاد لأن المرضى لا يملكون القدرة على شراء العلاجات. الطرق تنهار، والمواطن يدفع ثمن كل خطاب مزيف وكلمة جوفاء. المدارس بلا معلمين، والمستشفيات بلا طبيب، والمدن بلا كهرباء، تعج بالمكبات، بينما القادة يلتقطون الصور وينشرونها في منصات التواصل كأنهم يزرعون الأمل.


إلى أولئك الذين ورثوا البلاد بزعم حق سماوي و الحق الإلهي في العباد والأرض، وإلى من يرفعون شعار "الشرعية بينما لا يتجاوز نفوذهم شاشة هاتف، كفوا عن تمثيل البطولة؛ فالوطن ليس خشبة مسرح، والجائع لا يقتات من الألقاب. الألقاب لا تُدفئ بيوتًا، ولا تُعيد ماءً إلى الصنابير الجافة، ولا تملأ صيدليات المدن التي يعاني سكانها من نقص الأدوية الأساسيّة منذ سنوات، ولا تضمن علاج أي مريض عاجز عن دفع ثمن الدواء.


لقد امتلأت صفحاتنا بالألقاب والأوصاف البطولية، حتى تحولت الساحة اليمنية إلى حلبة استعراض: كل من فشل في خدمة الناس صار "رمزًا وطنيًا"، وكل من تكلم أكثر من غيره صار "ضمير الأمة". الشعارات الكبرى والاحتفالات الإعلامية لا تغيّر من واقع الملايين الذين يعيشون بين الجوع والفقر والحروب، ولا تعيد حياة أي طفل فقد والديه بسبب المرض أو الحرب، ولا تُعالج الجرح العميق الذي تركته سنوات الإهمال السياسي والفساد.


الوطن يحتاج إلى من يعمل بصمت ويترك أثرًا، ويخدم الناس قبل أن يخدم صورته أمام الكاميرات. يحتاج إلى أفعال لا إلى كلمات، إلى صمت يثمر، لا إلى صخب يلهي عن الحقيقة. يحتاج إلى من يضع الناس قبل المناصب، والحياة قبل الشعارات. يحتاج إلى صبر من نوع آخر، صبر البناء والعمل الصادق، لا صبر الانتظار والخوف والهلوسات الإعلامية.


استيقظوا أيها السادة، فالوطن لا يُبنى بالتصريحات ولا يُنقذ بالهاشتاغات. الألقاب لا تصنع وطنًا، ولا تشبع بطون الجياع. إن كل خطاب مزيف، وكل صورة مكياجية، وكل شعار مبالغ فيه، هو جدار آخر يقف بين الناس وحياتهم الكريمة، بين الحلم واليأس.


الوطن الحقيقي هو من يزدهر فيه الناس قبل أن يزدهر اسمه، هو من تملؤه الأفعال قبل الكلمات، هو الذي يُبنى بصمت بعيدًا عن الأضواء، وليس على خشبة المسرح الإعلامي. فلتسقط الأقنعة، ولتبدأ الأفعال. وإلا، سيظل الجائعون والمظلومون يموتون بصمت، بينما يظل "الأنبياء الجدد" و"مانديلا كل صباح" يرقصون على شاشات هواتفهم، في عالم من الأوهام لا علاقة له بالواقع.