آخر تحديث :الإثنين-17 نوفمبر 2025-02:46م

درس في معنى الأخوّة: حينما تسمو القيم فوق المال

الخميس - 13 نوفمبر 2025 - الساعة 09:52 ص
منصور بلعيدي

بقلم: منصور بلعيدي
- ارشيف الكاتب


في أحد أطراف المدينة، اشترى رجل أرضًا سكنية بسعر زهيد، مستفيدًا من بعدها عن العمران.

لم يكن يدري أن هذه الأرض ستصبح لاحقًا محور قصة إنسانية عميقة الدلالة ، تختزل معنى الأخوّة في أبهى صورها.


مرت الأيام، وواجه الرجل أزمة مالية خانقة لم يجد لها مخرجًا سوى بيع الأرض.

قصد مكاتب العقارات، لكنه فوجئ بأن سعرها لا يتجاوز 60 ألف ريال، وهو مبلغ لا يكفي لسداد ديونه. حينها، توجه إلى أخيه الأكبر، الذي كان ميسور الحال، وشرح له ظروفه، مقترحًا أن يشتري منه الأرض، لا لكونها صفقة رابحة، بل لأنها فرصة لمساعدته وتفادي بيعها لغريب.


وافق الأخ على الشراء، ودفع له المبلغ دون تردد، لكنه لم يستعجل في نقل الملكية، قائلاً: "اقضِ دينك أولاً، ثم نتفرغ للإجراءات." وبعد شهرين، حاول الرجل استكمال نقل الملكية، لكن أخاه تهرّب، طالبًا منه فقط إبلاغ زوجته وأولاده بأن الأرض أصبحت ملكًا له.

ومع مرور الوقت، نسي الرجل الأمر تمامًا.

وبعد عقدين من الزمن، وبينما كان يفتش في أوراقه، وجد وثيقة بيع الأرض غير موثقة رسميًا.

دفعه الفضول لزيارة الموقع، فوجد أن المنطقة تحوّلت إلى قلب نابض بالمدينة، وأن الأرض باتت تساوي مليون ريال على الأقل. وهنا بدأ صراع داخليفي نفسه : هل يستغل عدم توثيق البيع ويستعيد الأرض؟

أم يحترم ما جرى بينه وبين أخيه؟


وسوس له الشيطان باسترجاع الأرض، بينما نداء الخير ذكّره بأن البيع تم، وأنه أخبر عائلته بذلك.

عاش الرجل في ضيق نفسي، كلما رأى أخاه شعر بالخجل والندم، حتى قرر مواجهته.


في لقاء عائلي، قال لأخيه: "تذكر الأرض التي بعتها لك قبل عشرين سنة؟" فأجابه: "نعم، اشتريتها منك بـ70 ألف ريال." فقال: "دعنا نستكمل الإجراءات." وهنا كانت المفاجأة.


ضحك الأخ الكبير وقال: "أنا لم أشترِ الأرض فعليًا، بل أردت مساعدتك دون إحراج، فدفعت لك المبلغ على أنه سلف، وجعلتك تظن أنها صفقة بيع. الآن، بعد أن ارتفع سعرها، بعها ورد لي فقط المبلغ الذي دفعته."


انهار الرجل خجلًا من سوء ظنه، وذرف دموعًا حارة في عز الشتاء، متأثرًا بنبل أخيه فانكب يقبل راس اخيه ويعتذر له.

باع الأرض، وأعاد له المبلغ، وأهدى ابنه 100 ألف ريال بمناسبة زواجه، قائلاً: *هذا أقل ما أقدمه لك يا كبيرنا، فقد كنت سندي في أزمتي.*


هذه القصة ليست مجرد بيع وشراء، بل درس عميق في معنى الأخوّة، في زمن باتت فيه العلاقات تُقاس بالمصالح.

الأخ الحقيقي هو من يكون سندًا في الشدائد، لا من يثقل كاهلك بالجميل.


حافظوا على إخوانكم، وتفقدوهم وقت الحاجة، فالأقربون أولى بالمعروف.

لا تجعلوا المال يطغى على القيم، ولا تنسوا أن الأخوة الحقيقية لا تُقاس بالعقود بل بالمواقف.


ودامت بيوتكم عامرة بالحب والعطاء.


*أخاك أخاك، فمن لا أخ له*

*كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاح*