آخر تحديث :الأربعاء-19 نوفمبر 2025-01:13ص

قراءة في قرار مجلس الأمن 2758 : تحولات في المقاربة الدولية للملف اليمني أم إعادة إنتاج الإشكاليات القديمة؟!

السبت - 15 نوفمبر 2025 - الساعة 10:55 م
عبدالواسع الفاتكي

بقلم: عبدالواسع الفاتكي
- ارشيف الكاتب



بدا مجلس الأمن الدولي في قراره الجديد بخصوص اليمن ، والذي حمل رقم (2758) ، والذي قدمته بريطانيا وامتنعت روسيا والصين عن التصويت عليه، بدا وكأنه يعيد رسم إطار تعامله مع الأزمة اليمنية ، من زاوية تعكس مزيجا من التحول والالتباس في آن واحد ، فالامتناع الروسي والصيني عن التصويت ، يمثّل رسالة سياسية بحد ذاته ، تعكس مقاربة أقرب إلى وجهة النظر الإيرانية أو على الأقل تفهما أكبر لموقف مليشا الحوثي ، وهو ما يفتح باب المخاوف والقلق من تغيّر ميزان القوى داخل مجلس الأمن حيال الملف اليمني ، ففي السنوات الأولى للانقلاب الحوثي ، كان الإجماع الدولي يواجهه بشدة غير مسبوقة ، غير أن التحولات الإقليمية والدولية ، وتشابك الملفات في الشرق الأوسط ، أدت تدريجيا إلى جعل الملف اليمني جزءا من حسابات القوى الكبرى ، لا ملفا مستقلا بذاته .


صيغة قرار مجلس الأمن الجديد يفتح مجالا لاستخدامه كمرجعية سياسية جديدة في مسار الحل ، خاصة من جانب بريطانيا والولايات المتحدة ، إذ يمكن البناء عليه لطرح صيغ تسوية أو حتى لإعادة هندسة المسار التفاوض ، فعلى الرغم من تركيز القرار على تمديد العقوبات المرتبطة بالقرار 2140 ، إلا أن تأثير هذه العقوبات على ملبشيا الحوثي يبدو محدودا للغاية ، فالحظر على السفر لا يطال جماعة لا تملك وجودا دوليا أصلا ، أمّا تجميد الأصول ، فقد تجاوزته الحركة عبر إنشاء شبكات مالية وتجارية تعمل كواجهات قانونية ، وتأسيس شركات اقتصادية تغطي عمليات التمويل ، بتنسيق مباشر مع إيران ، بالتالي فإن تجديد العقوبات يبدو إجراء رمزيا أكثر من كونه عمليا ، ولا يمس جوهر القوة المالية للحوثيين .


تأكيد القرار على أن الحل في اليمن سياسي وليس عسكريا يحمل دلالات أعمق مما يبدو ؛ تتضمن تكبيل السلطة الشرعية ، بما يشبه التقييد السياسي والعسكري ؛ بحيث تصبح غير قادرة على المضي نحو الخيار العسكري ، أو فرض نفوذها على الأرض ،أو حتى استخدام لغة الردع كأداة ضغط ، بهذه الدلالات ، يبدو القرار وكأنه يدين مليشيات الحوثيين لفظيا ، لكنه يخدمها على مستوى ضمان ان تبقى جزءا من اي تسوية قادمة دون ان تتخلى عن مكاسبها العسكرية ، بما يعني أن إسقاط الانقلاب بالقوة ليس مطروحا دوليا ، وان مليشيات الحوثيين ستكون جزءا من أي صيغة حكم قادمة ، لن تقبل بها ما لم تمنحها تحصينا لها من أي عقاب جماعي أو محاسبة جدية على جرائم الحرب والانتهاكات ، فحتى مع ذكر المرجعيات الوطنية والإقليمية او الدولية كمرجعيات للحل السياسي ، فإن القرار لم يشترط نزع سلاح الميليشيا ، ولا إعادة مؤسسات الدولة ، ولا انسحاب الحوثيين من المدن ، وهو خلل جوهري يهدد أي حل سياسي قابل للحياة .


إن عدم تطرق القرار لتجريد مليشيات الحوثيين من الأسلحة ، سيجعلها تدخل أي تسوية كقوة مسلحة ، الأمر الذي سيجعل أي مرحلة سياسية ليست سوى هدنة مؤقتة قبل جولة صراع جديدة ،


يقدم قرار مجلس الأمن الأخير صورة مزدوجة من جهة يتضمن نبرة حادة نوعا ما تجاه الحوثيين ، وإقرار دولي بخطورة الهجمات البحرية ، ويدعو لإجراءات رقابية لتشديد حظر توريد الأسلحة للمليشيات الحوثية ، ومن جهة أخرى ، يتضمن تثبيت دور الحوثيين في أي تسوية قادمة ، وعدم المساس بترسانتهم العسكرية ، ما يؤدي إلى إعادة تدوير الإشكاليات نفسها التي عطلت المسار السياسي منذ ٢١ سبتمبر 2014م .


باختصار يبدو القرار تحولا لغويا دون تحول استراتيجي ، إذ أن تأثيره الفعلي على الأرض سيظل محدودا ، ما لم يصاحب اللغة الحادة إجراءات عسكرية واقتصادية واضحة ، تغير ميزان القوة ، وتعيد الاعتبار للدولة اليمنية .


عبدالواسع الفاتكي