اعتمادي في التحليل ينطلق من قراءتي للوضع المالي والنقدي في عدن خلال الفترة الأخيرة، وخصوصا ما يتعلق بعلاقة البنوك التجارية بالسيولة النقدية وفجوات التدفق المالي بين السوقين: عدن وصنعاء.
ما حدث اليوم – حسب ما ورد من مصدر موثوق في وزارة المالية – يكشف بوضوح ان التعزيزات الحكومية لشهر سبتمبر وصلت فعلا الى البنوك التجارية، لكن البنوك غير قادرة على توفير السيولة النقدية. هذا يفتح بابا واسعا للسؤال: من يحتجز السيولة؟ ولمصلحة من يتم خنق السوق النقدية في عدن؟
تحليلي يقودني الى أربعة احتمالات رئيسية:
اولا: كبار التجار المرتبطون بدورات الاستيراد
أحيانا يحتفظ كبار التجار بسيولة كبيرة خارج النظام المصرفي لاستخدامها في تمويل وارداتهم بشكل مباشر، خصوصا في ظل تذبذب سعر الصرف. هؤلاء يتعاملون مع النقد كضمان لحماية رأس المال. المشكلة ان هذا السلوك يسحب جزءا كبيرا من السيولة من البنوك، فيزداد الضغط عليها عند اي التزام حكومي مثل الرواتب.
ثانيا: تجار او مجموعات مالية تخضع لتأثير صنعاء
لا استبعد ان جزءا من السيولة يتسرب من عدن باتجاه صنعاء عبر شبكات تجارية ومالية تعمل في المحافظتين. هذه الجهات تستفيد من فارق سعر الصرف بين عدن وصنعاء، فتجمع الريال القعيطي التي تحصدها كقيمة صادرات مثل القات والخضار والفواكه وغيرها من أسواق عدن بدافع المضاربة ثم تعيد تدويره في سوق صنعاء. هذا التحرك يؤدي بشكل مباشر الى سحب السيولة من بنوك عدن.
ثالثا: البنك المركزي في صنعاء وأثره غير المباشر
مع ان البنك المركزي في صنعاء لا يتحكم إداريا في بنوك عدن، إلا انه يفرض واقعا ماليا من خلال السوق الموازية، حيث يجذب السيولة عبر وسطاء وتجار، ويمنح سعرا ثابتا ومغريا مقارنة بسوق عدن المتقلب. هذا يجعل جزءا من السيولة يهرب نحو المناطق التي تمنح مزايا أكبر لحملة النقد.
رابعا: احتكار محافظة مأرب للسيولة المتدفقة من عائدات الغاز والبترول
مأرب تمتلك أكبر كتلة مالية نقدية متدفقة من مبيعات الغاز المنزلي والنفط الخام، ومعظم هذه العائدات لا تدخل الدورة المصرفية في عدن. هذا الاحتكار يخلق فجوة كبيرة في السيولة، لأن مصادر النقد التي يفترض ان تدعم البنوك التجارية في عدن تتراكم خارج نطاق سيطرة البنك المركزي هناك. النتيجة ان كتلة واسعة من الأموال تبقى محجوزة في سوق مغلق، بينما تظل بنوك عدن عاجزة عن تلبية أبسط التزاماتها تجاه الرواتب.
انتي اميل في تحليلي بأن الجهة التي تحتجز السيولة ليست جهة واحدة. هي شبكة مصالح متداخلة بين كبار التجار، وتجار يعملون بين السوقين، الى جانب التأثير غير المباشر لسوق صنعاء، ثم تمركز السيولة في مأرب. النتيجة النهائية ان المواطن هو المتضرر الاول من هذا الخنق المتعمد للسيولة، وان اي تأخير في الراتب ليس مصدره المالية، بل قدرة البنوك التجارية على توفير الكاش.
وفي ظل هذا الوضع يصبح تعزيز الرقابة على حركة السيولة ومصادرها امرا ضروريا، لان استمرار هذا النزيف يضعف قدرة بنك عدن المركزي على ادارة سياسته النقدية ويجعل مرتبات الموظفين رهينة بيد المضاربين.