آخر تحديث :السبت-22 نوفمبر 2025-12:52ص

حين تخون الهواتف أمانة المجالس

الجمعة - 21 نوفمبر 2025 - الساعة 05:31 م
نجيب الداعري

بقلم: نجيب الداعري
- ارشيف الكاتب


لم يعد الجليس يأمن جليسه حقيقة مؤلمة تتكشف يومًا بعد يوم في ظل اتساع ظاهرة تسجيل الأحاديث وتصوير المجالس دون علم أصحابها، حتى باتت الثقة تلك القيمة الإنسانية الأصيلة مهددة في أقدس دوائر العلاقات بين الناس.


لقد تحولت الأجهزة الذكية إلى أدوات يتسلل من خلالها البعض إلى خصوصيات الآخرين، فيسجلون المكالمات، أو يلتقطون صور المحادثات، أو يضعون مكبر الصوت ليُسمِعوا من حولهم ما يُفترَض أنه حديث ثنائي، بل وصل الأمر بالبعض إلى استخدام كاميرات خفية في مجالس خاصة، غير مبالين بما يترتب على ذلك من خيانة، وفتنة، وانهيار للأخلاق.


هذه الممارسات ليست عابرة؛ إنها جرح في صميم المجتمع، وعدوان على القيم، وتجاوز لما أكد عليه النبي محمد ﷺ حين قال: "إنما المجالس بالأمانة"، وقوله في وصف زمن الفتن: "حين لا يأمن الجليس جليسَه"… وللأسف، يبدو أن ذلك الزمان قد أطلّ علينا.


إن خيانة المجالس لا تقتصر على نشر الأسرار، بل تسهم في إشعال الخلافات، وإفساد العلاقات، وتأجيج الشائعات، وتغذية النميمة عبر وسائل التواصل, وما أسهل أن يتحول تسجيل واحد أو صورة واحدة إلى أداة لابتزاز أو إساءة أو إثارة فتنة لا يعلم مداها إلا الله.


وهنا تكون المسؤولية في مواجهة هذا الانحدار الأخلاقي مشتركة بين الأسرة، والمدرسة، والمؤسسات الدينية، والإعلام، والقانون. لأن حماية خصوصية الناس ليست خيارًا، بل واجبٌ وضرورة لبقاء مجتمع سويّ قادر على الثقة والتعايش.


ختاماً : لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار لأمانة المجالس ..فالمجتمع الذي تفقد فيه الخصوصية قيمتها، تسقط فيه الكثير من القيم الأخرى تباعًا.


وللحديث بقية....