آخر تحديث :السبت-22 نوفمبر 2025-12:52ص

الصين إلى اليمن… طريق الحرير يعيد رسم الجغرافيا الاقتصادية من جديد

الجمعة - 21 نوفمبر 2025 - الساعة 08:50 م
نجيب الكمالي

بقلم: نجيب الكمالي
- ارشيف الكاتب


من الصين، حيث تتشكل رؤى المستقبل وتولد المبادرات الكبرى التي تعيد صياغة العلاقات الدولية، يمتد طريق طويل من الأفكار والمشاريع والشراكات ليصل إلى اليمن، البلد الذي كان يومًا قلبًا نابضًا لطريق الحرير القديم، وبوابة بين آسيا وأفريقيا والعالم العربي. وفي الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى بناء شبكة دولية متعددة الأبعاد عبر مبادرة الحزام والطريق، يعود الحديث مجددًا عن اليمن بوصفه موقعًا استراتيجيًا لا يمكن تجاوزه في أي مشروع عابر للقارات.


تتحرك الصين اليوم برؤية تتجاوز حدود الاقتصاد التقليدي إلى مفهوم “التنمية المتكاملة”، حيث تُبنى الشراكات على التكنولوجيا والثقافة والبنية التحتية والابتكار. وفي إطار هذه الرؤية يُعقد منتدى طريق الحرير ليكون منصة تجمع العقول والخبراء وصناع القرار من مختلف الدول، بهدف خلق مساحات للتعاون في مجالات الثقافة والتكنولوجيا والتنمية المستدامة. المنتدى لا يطرح أفكارًا فقط، بل يؤسس لنموذج عالمي جديد يقوم على التوازن بين التطور التقني والحفاظ على الذاكرة الثقافية للشعوب، وعلى بناء شراكات تستند إلى المصالح المتبادلة واحترام الخصوصيات الوطنية.


ومن الصين، حيث انطلقت المبادرة، تمتد خطوط التفكير إلى اليمن الذي لم يفقد مكانته رغم ما يواجهه من تحديات. فالموقع الجغرافي عند باب المندب يمنح اليمن دورًا استراتيجيًا يتجاوز حدوده، ويضعه في قلب الممرات البحرية التي تمر عبرها التجارة العالمية. كانت عدن والمخا يومًا جزءًا أساسيًا من حركة السفن والتجارة، ولا يزال بإمكانهما—مع التخطيط والاستثمار—العودة إلى الحوار العالمي كمنصات لوجستية وتجارية ذات أهمية قصوى.


وإذا كانت الصين تبحث عن شراكات طويلة المدى لبناء ممرات اقتصادية وبحرية وثقافية، فإن اليمن يمتلك المقومات التي تؤهله ليكون جزءًا محوريًا من هذه الرؤية. فإعادة تأهيل الموانئ، وتطوير البنية التحتية، وفتح مسارات للاستثمار، يمكن أن يجعل اليمن شريكًا اقتصاديًا فاعلًا في طريق الحرير البحري. كما أن الانخراط في الفعاليات الدولية مثل منتدى طريق الحرير يتيح لليمن مساحة للتعريف بقدراته وفتح أبواب التعاون في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي والتعليم والابتكار.


ورغم الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، فإن الجغرافيا لا تتغير، والموقع لا يفقد قيمته، والقدرة على العودة إلى الخريطة الاقتصادية العالمية تبقى ممكنة إذا ما تم البناء على الفرص المتاحة. من الصين إلى اليمن يمتد طريق يحمل معه رؤى جديدة، وتصورات مختلفة، وإمكانيات واسعة لبناء مستقبل يقوم على التكامل لا التنافس، وعلى التعاون لا العزلة. فاليمن لا يقف على هامش طريق الحرير، بل يقف في قلبه، حيث يلتقي الماضي بالحاضر، وتلتقي الجغرافيا بالإرادة، ليُكتب فصل جديد في علاقة يمكن أن تعود بالنفع على الجانبين.


وهكذا، يصبح طريق الحرير ليس مجرد مشروع اقتصادي، بل جسرًا حضاريًا وإنسانيًا يمتد من الصين إلى اليمن، ومن الماضي إلى المستقبل، ليعيد رسم مسارات التجارة، ويمنح الشعوب فرصة جديدة لصياغة قدرها في عالم شديد التحول.





بقلم: نجيب الكمالي، رئيس دائرة العلاقات العامة بالاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين أصدقاء وحلفاء الصين – فرع اليمن