آخر تحديث :الإثنين-01 ديسمبر 2025-03:33م

حين تكلمت صنعاء… كان ذلك في 2 ديسمبر

الإثنين - 01 ديسمبر 2025 - الساعة 12:33 م
أحمد حوذان

بقلم: أحمد حوذان
- ارشيف الكاتب


كانت معركة صنعاء في الثاني من ديسمبر لحظة فارقة في تاريخ اليمن، لحظة انتظرها اليمنيون بعد سنوات من المعاناة تحت سلطة جماعة مسلّحة تمددت بالقوة وفرضت واقعاً خانقاً على الدولة والمجتمع. بدأت الشرارة الأولى عندما خرج الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام، عارف عوض الزوكا، ليواجه المشهد علناً، كاشفاً عبر إذاعة صنعاء حقيقة ما حدث للرواتب التي قطعتها الجماعة، وفاضحاً تضليلها للرأي العام. كان ذلك أول موقف سياسي صريح منذ الانقلاب.


ثم جاء الحدث الذي أشعل الغضب: مقتل العميد خالد الرضي، مرافق الزعيم صالح، في اشتباك مع عناصر المليشيا. لحظة مفصلية دفعت الزعيم علي عبدالله صالح للخروج بخطابه الأشهر، قائلاً:

"يا أبناء شعبنا… آن الأوان لتنتفضوا بوجوه هذه المليشيا التي أتعبت الوطن وأرهقت الناس."

وقال أيضاً:

"لقد صبرنا كثيراً… لكن للصبر حدود، ولن نسمح أن يُذلّ الشعب اليمني."


وفي الجهة المقابلة ظهر خطاب عبدالملك الحوثي مرتبكاً، مليئاً بالاتهامات والتخوين، وكأن الجماعة لم تستوعب حجم التحول الذي بدأ في صنعاء.


كنتُ يومها في فندق سلبة بمحافظة حجة ضمن فريق من الصندوق الاجتماعي للتنمية، وكان بيننا زملاء من خلفيات عقائدية متعددة. المحافظة كانت على وشك السقوط من قبضة المليشيا، والناس في ترقب وقلق. وعندما ظهر خطاب الزعيم على التلفاز، رأيت القهر على وجوه العناصر الحوثية، حتى صاح أحدهم غاضباً: "اقلب القناة!"

حوّلنا إلى قناة المسيرة، فإذا بخطاب عبدالملك الحوثي بلغة انكسار واضحة، يهدد ويتوعد ويتهم المؤتمر بالخيانة، لكنه بدا ضعيفاً أمام إرادة شعب يرفض الخضوع.


كان اليوم فاصلاً بين دولة ومليشيا. خطابات الزعيم صالح في تلك اللحظات حملت رسائل صريحة لاستعادة الدولة وحماية الجمهورية، مؤكداً:

"لن نسمح لهذه الجماعة أن تسرق الوطن وترهن حياة أبنائه، انتفضوا، قاوموا، استعيدوا صنعاء."


في تلك اللحظة انطلقت شرارة المواجهة العسكرية والسياسية، فيما كانت مأرب والساحل وتعز على أهبة الاستعداد. تشكلت اللجان، وبدأت غرف العمليات الشعبية، وارتفع الوعي بأن الحرية لا تُمنح، وأن الكرامة تُستعاد بالصمود. ومع سقوط بعض النقاط الاستراتيجية من أيدي الحوثيين، بقيت إرادة اليمنيين أكبر من أي سلاح.


كانت حجة في مقدمة الصفوف بقيادة رجالها، وعلى رأسهم الشيخ الزرقة رحمه الله، الذي ألحق بالحوثيين خسائر موجعة. وبينما كنا في نقاش محتدم، قال لي أحد العناصر العقائديين:

"بتشوف يا بن حوذان… إذا عادت المعركة لصالحنا، بيُقتل عميلكم الخبيث."

فأجبته:

"سنوات وأنتم تحكمون… ماذا بنيتم؟ كل ما تفعلونه هو هدم ما شيده من تسميه العميل من مدارس ومستشفيات ومؤسسات وبنوك."


اليوم، بعد ثمانية أعوام، لا تزال صيحة 2 ديسمبر حاضرة في كل اليمن، من مأرب إلى الساحل، ومن تعز إلى سائر المحافظات. الاستعداد لاستعادة صنعاء مستمر، والأجيال الجديدة باتت أكثر وعياً بأن المعركة ليست مع السلاح فقط، بل مع المشروع الذي يحاول خطف إرادة الشعب.


2 ديسمبر… بوابة الوعي اليمني من جديد


هذا اليوم كشف المستور وأسقط الأقنعة، وأثبت أن اليمنيين قادرون على توحيد صفوفهم في مواجهة أي مشروع استبدادي. إنه يوم غيّر اليمن إلى الأبد، وأكد أن الجمهورية ستظل حية، وأن الثورة على الظلام والفساد مستمرة. ومع استمرار المليشيا في قتل المدنيين وتدمير المدارس والمستشفيات، يبقى درب صالح والزوكا والشهداء هو الطريق نحو استعادة الجمهورية والحياة الكريمة.


مرت الأيام، واعتُقلتُ في أحداث ثورة الجياع عام 2018. وفي أحد التحقيقات، شغّل لي المحقق خطاب الزعيم صالح وقال لي:

"هذا زعيمكم… ونهايته عبرة لك."

تذكرت كلمات زميلي العقائدي، لكنني لم أشعر بندم. كان الثاني من ديسمبر حاضراً في ذهني، وكان المشهد واضحاً: تضحيات صالح والزوكا لم تكن هباءً، بل كشفاً لمشروع لا يمكن أن يتعايش مع اليمن.


اليوم، ونحن في الذكرى الثامنة لمعركة صنعاء، ندرك أن تلك اللحظة كانت امتداداً لثورتي سبتمبر وأكتوبر، وأن روح الجمهورية لم تمت. تأتي الذكرى واليمن يرزح تحت أوجاع الحرب، وجماعة تجاوزت كل القيم، حتى طالت المرأة وأرهقت الشعب بالجوع والخوف.


ومع ذلك تبقى الرسالة واضحة:

إن صنعاء ستعود… وإن الجمهورية ستنهض… وإن مشوار استعادة الدولة مستمر، على خطى الشهيد صالح والزوكا وكل الأبطال الذين افتدوا الوطن بدمائهم.