آخر تحديث :الأربعاء-24 ديسمبر 2025-02:55م

حين بكى المسيح على فلسطين .. رسالة الميلاد بين الصليب والقيامة

الأربعاء - 24 ديسمبر 2025 - الساعة 11:57 ص
غسان جابر

بقلم: غسان جابر
- ارشيف الكاتب


في عيد الميلاد المجيد، لا تأتي الحكاية من مذودٍ دافئٍ هذه المرة، بل من أرضٍ جريحة. يأتي الميلاد محمّلًا بسؤالٍ ثقيل: كيف يولد الرجاء في وطنٍ يُجلَد كل صباح؟ وكيف تُقرأ رسالة المسيح في عامٍ رأى فيه العالم فلسطين تُصلَب على شاشاته، بلا شهود عدلٍ ولا قضاة ضمير؟

المسيح، ابن السلام، لو عاد اليوم، لبكى. لا لأن الألم جديد، بل لأن الخذلان قديمٌ ومتجدد. لبكى على شعبٍ حُمِّل أكثر مما يحتمل، وعلى قيادةٍ اختلفت حتى نسيت وجهتها، وعلى فصائل تحوّلت من أدوات تحرّر إلى جزرٍ معزولة تتنازع الشرعية بينما ينزف المعنى.

رسالة الميلاد ليست طقسًا، بل موقفًا.

الميلاد، في جوهره، إعلانٌ أخلاقي: أن الحق لا يُقاس بالقوة، وأن الخلاص يبدأ بالاعتراف. في هذا العام، بدت فلسطين أيقونة الصليب المعاصر؛ جسدٌ يُثقل بالمسامير ليوقظ العالم من سباته. لم تكن رمزية الصلب استدعاءً دينيًا بقدر ما كانت كشفًا أخلاقيًا: شعبٌ يُحاصَر ليذكّر البشرية بما نسيت—أن العدالة لا تموت إذا وُجد من يشهد لها.

إلى القيادة الفلسطينية: عتاب الميلاد

لو كتب المسيح رسالة اليوم، لقال للقيادة: راجعوا أنفسكم قبل أن تراجعكم الأيام. اعترفوا بتقصيركم، لا ضعفًا بل شجاعة. السياسة بلا أخلاق إدارةٌ للوقت لا للتاريخ، والتاريخ لا يرحم من بدّد الفرص. أعيدوا ترتيب البوصلة: وحدة القرار، شفافية المسار، واستعادة ثقة الناس. لا خلاص بلا صدق، ولا صدق بلا محاسبة.

إلى قادة الفصائل—وخصوصًا الأمناء العامين:

الميلاد لا يطلب بيانات، بل توبة. التوبة هنا ليست وعظًا، بل قرارًا: أن تتقدم فلسطين على التنظيم، وأن تُقدَّم الحياة على الشعارات. اعترفوا بأن الانقسام خطيئة سياسية، وأن الإصرار عليه خطيئة أخلاقية. إن الله يقبل توبة من يغيّر فعله، لا من يغيّر لغته. اجتمعوا على برنامجٍ واحد: حماية الإنسان، صون الأرض، وبناء أفقٍ قابل للحياة.

إلى الشعب الفلسطيني: رسالة محبة وكرامة

أنتم لستم ضحايا التاريخ، أنتم شهوده. جسّدتم، دون ادّعاء، معنى الصبر النبيل. حملتم صليب المعاناة لا لتقديس الألم، بل لتحويله إلى وعي عالمي. حين صمدتم، انكشفت الحقيقة؛ وحين تمسكتم بالحياة، تزعزعت الرواية الزائفة. فيكم قامت القيامة كل يوم—قيامة الوعي، وقيامة الإصرار.

ماذا يقترح الميلاد؟

يقترح ما يبدو بسيطًا لكنه صعب:

وحدة وطنية حقيقية ببرنامج حدٍّ أدنى، لا صور تذكارية.

إعادة الاعتبار للأخلاق في السياسة: لا مهادنة على كرامة الإنسان.

تمكين المجتمع: حماية المدنيين، دعم التعليم والصحة، وإعلاء صوت الناس.

خطاب عالمي ذكي: يراكم التعاطف إلى التزام، ويحوّل الشهادة إلى ضغطٍ فعّال.

الرجاء ليس وهمًا

الرجاء ليس إنكار الألم، بل الإيمان بأن الألم ليس كلمة الفصل. الميلاد يذكّرنا أن الضوء لا يحتاج إلا شقًّا صغيرًا ليعبر. وفلسطين، رغم العتمة، تملك هذا الشق—في عيون أطفالها، وفي عناد أمهاتها، وفي ذاكرة أرضها.


صلاة ودعاء:

نقول... يا ربّ الميلاد، يا إله العدل

والرحمة،

امنح قادتنا شجاعة الاعتراف،

وقادتنا الفصائليين نعمة التلاقي،

وشعبنا صبرًا لا ينكسر وأملًا لا يخون.

اجعل من هذا العيد بداية قيامةٍ وطنية،

ومن دموع هذا العام ماءً لغدٍ أعدل.

سلامٌ على فلسطين… يوم وُلد الرجاء، ويوم يُحاسَب الخذلان، ويوم تقوم الحقيقة.

آمين.

م. غسان جابر -قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية.

24/12/2025.