في زمنٍ تتداخل فيه الأدوار وتضيع فيه البوصلة، نبتلي بنمط جديد من السياسيين لا يشبهون رجال الدولة، بل أقرب ما يكونون إلى سماسرة يتاجرون بمصير الأوطان. لا رؤية، لا مشروع، لا أفق، بل صفقات تُعقد في الظلام، ومصالح تُدار خلف الكواليس، وكأن الوطن سوقٌ يُباع فيه كل شيء… حتى الكرامة.
فكيف لمن لا يؤمن بالوطن أن يقوده؟
الوطن ليس شركةً خاصة، ولا مزادًا علنيًا. الوطن فكرة، وهوية، وتاريخ، وجغرافيا ومستقبل. يحتاج إلى قيادة تؤمن بالشعب، تفهم آماله، وتعمل على تحقيق طموحاته. قيادة تمتلك مشروعًا وطنيًا لا يرتبط بموسم انتخابي أو صفقة عابرة، بل يمتد إلى أجيال قادمة.
لكن الأخطر من كل ذلك، أن تُعقد الصفقات في زمن الحرب.
حين تكون البلاد في خضم المعارك، وتُزهق الأرواح، وتُهدم البيوت، نجد من يستغل الفوضى ليعقد صفقات مشبوهة، بعيدًا عن أعين الرقابة، مستغلًا غياب المؤسسات أو ضعفها. إنها خيانة مضاعفة: خيانة للدماء، وخيانة للثقة، وخيانة للوطن.
في خضم هذا المشهد القاتم، تبرز قاعدة أخلاقية لا تسقط بالتقادم:
*اصطفافك مع الحقّ يمنحك قيمة، ولو كنت بلا سلطة أو مال. ووقوفك مع الباطل يسقطك، ولو كنت في أعلى المناصب.*
فالحق لا يُقاس بالمكاسب، بل بالمواقف. ومن يستفيد من الباطل، يصعب عليه قول الحق، لأنه ببساطة أصبح شريكًا في الجريمة.
إننا بحاجة إلى صحوة ضمير، إلى إعادة تعريف السياسة كفنٍ لخدمة الناس، لا كوسيلة للثراء والهيمنة. فالوطن لا يُدار بالعقود السرية، بل بالشفافية. ولا يُبنى بالصفقات، بل بالمبادئ.
*فإما أن نكون مع الوطن… أو نكون عبئًا عليه.*