آخر تحديث :الأربعاء-30 أبريل 2025-02:09ص
أدب وثقافة

الطوق والسوط ( قصة )

السبت - 19 أبريل 2025 - 05:57 م بتوقيت عدن
الطوق والسوط ( قصة )
بقلم / عصام مريسي

السوط الثالث

جلس على المقعد الخلفي للسيارة الفاخرة وإلى جواره جلس أثنين من الحرس ذي الملابس السوداء بصمت وعلى مقعد القيادة جلس الرجل الصخم ذي النظارة السوداء وساد الصمت دار محرك السيارة وانطلقت السيارة بسرعة مغادرة الحي الشعبي وتلاشت كل ملامح الحي الشعبي القريب من البحر فلم يعد يسمع اصوات المتجمهرين وتصفيهم الحارة كلما القت زوجه العجوز الوعود عليهم ولم يعد يسمع ضجيج هتافاتهم وتغيرت المشاهد فتلاشت مشاهد العشوائية وتجاعيد الفقر والفوضى المخطوطة على وجوه الناس والطبيعة من حولهم واصبح للبصر زوايا مرتفعة يتجول خلالها فالشوارع مسفلته ليس كشوارع الحي الشعبي الذي يسكنه ضيقة ومهترئة والمباني شامخة مرتفعة لادوار وطوابق نحو الفضاء وأبراج عالية وليس ثمة حركة إلا بالمركبات الفارهة والعجوز السبعيني بشعره الأبيض المتجعد والتجاعيد التي رسمها الزمن على وجهه وحذبة ظهره من ثقل المصاعب وصراع الحياة لكسب لقمة عيشة وخشونة أصابع كفه المعبرة عن قساوة العيش والمهنة التي يكسب بها رزقه وعينيه المائلتان لزرقة المياه التي سكنت عينيها وأديم بشرته بلون تراب الحي الذي امتزج مع كل ملامحه مشاهد لم يشاهدها من قبل وحياة لم يتعرف عليها ولم يذق طعمها يلتفت عن يمينه فإذا بالحارس يجلس بصمت يحاول أن يسأل:

أين نحن الأن؟

الحارس مازال يلتزم الصمت يلتفت نحو اليسار ليسأل الحارس الأخر:

أين نحن الٱن .. إلى أين نحن ذاهبون

لا يلتفت الحارسان لأسئلة السبعيني نحيل البنية بمٱزره الأبيض العتيق وقميصه الأبيض القديم.

يرسل العجوز بصره نحو كل مايقع عليه بتفحص ودهشة حتى يتوقف محرك السيارة تفتح أبوابها الأربعة الأتوماتيكية ينزل الجميع سريعا لكن العجوز مازال يقبع في الكرسي الخلفي في دهشة وذهول يقلب بصره الثاقب نحو كل شيئ يقع عليه أحياء لم يزرها قط ولم يكن على علم بوجودها في جوار الأحياء الشعبية التي لم يفارقها قط يخرج الرجل الضخم ذي البدلة السوداء وقد رفع نظارته السوداء أعلى جبينه من صمته قائلا:

انزل.. فأما تسلك طريق النعيم أو تسلك طريق الثبور

يلتفت السبعيني نحو صاحب الصوت قائلا:

ماذا تقصد؟

يعقب مجيبا عن السؤال بعبارات مقتضبة

انت من يختار .. فمن هذا المكان ستفتح لك أبواب الجنة أو أبواب النار.

يعاود السبعيني التساؤول:

ماقصدك

يتجاهل الرجل الضخم تساؤولات الرجل العجوز يعيد نظارته السوداء على عينيه الضيقة ويبدأ السير نحو القصر وتصطف الحراسة على جانبي الطريق ومازال العجوز واقفا تعتريه الدهشة والأنبهار لكنه بدأ يتابع خطى الرجل ذي البزة العسكرية السوداء وعلى جانبي الممر تصطف الحراسات في حال تعظيم وكأنه زعيم في موكب زيارة ملكية والأبواب الزجاجية والفولاذية تفتح اتوماتيكيا ينظر العجوز نحوه كل شيئ جديد لامع إلا صورته يراها على بلاط القصر ونوافذه الزجاجية وأبوابه الفولاذية قديمة مهترئة نقشت الأيام الطويلة التي مرت كل قساوتها وشظفها على ملامح بشرته وتجاعيد جبينه والكلف على جفنيه والبياض الذي كسا كل سعر راسه وجسده كأنه قطعة ثلج مع كل اللهيب مازالت صامدة لم يصيبها الذوبان وهو يسير في ترقب وحذر وعلى جوانب القصر تتفرع المنعطفات التي يقود بعضها نحو صلات كبيرة يجلس فيها كثير من الناس ذو الوجاهة والمناصب كما يبدو عليهم من ملامح صورهم وبدلاتهم الفاخرة غرف مجهزة بكل وسائل الترف والراحة وفي اثناء مروره يرى من خلف نوافذ أحد الصالات الضخمة رجل يرتدي بدلة سوداء بكرفتة يشير إليه رافعا كفه قابضا على سبابته والوسطى وخنصره وبنصره ورافعا الإبهام إلى الأعلى كانه يريد أخباره بشئ وملامحه مرسومه في ذاكرته إنه يعرفه لكن لماذا هو في القصر وكيف تحول حاله؟

يتابع السير خلف الرجل الضخم وعلى جانبي الممر تتغير تركيبة بناء المكان فالغرف اقل اتقان وعلى الأبواب قضبان محمية بالزجاج وخلف القضبان الحديدية رجال ونساء واطفال باد عليهم الإرهاق والتعب يقف مرسلا نظره في إحدى تلك الغرف شابة تجلس زاوية من زوايا الغرف المطوقة بالقضبان تفترش الأرض وإلى جوارها صغارها ورضيعها ملتصق بصدرها عله يبحث عن ما يسد جوعه يقف صارخا:

إنها ابنتي الشابة التي فقدت زوجها في القصف الذي تعرض له حيهم في المدينة المجاورة ولم يراها منذ اندلاع الحرب وإقامة الفواصل بين المدن وانشاء الحواجز.

يشير إليها لكنها لاتراها فالزجاج يسمح للرؤية من جانب واحد وهو يصرخ:

ابنتي.. كيف أنت .. كيف جئت إلى هنا.

يرسل تساؤل للرجل الضخم:

لماذا ابنتي وصغارها في الحجز؟

يقف الرجل ذي البزة العسكرية السوداء ويستدير نحو العجوز قائلا:

إن استجبت للاوامر ستلتقي بابنتك وكل ابنائك

يصرخ العجوز:

أي اومر .. ماذا تريدون منا؟!!

يجيبه الرجل الضخم:

عندما تقابل الزعيم سوف يملي عليك التوجيهات .. وأنت من ستفتح أبواب النعيم لك واينائك أو تفتح عليهم أبواب العذاب

يسأل الرجل العجوز:

لماذا أنا من دون كل أهل الحي؟

يجيب الرجل ذي البدلة السوداء

خلف هذا الباب تعرف كل شيئ.. ولا تكثر من التساؤولات .. اعلن الموافقة فقط

ينفتح الباب الأتوماتيكي في القصر الذي لا تتقطع عنه الكهرباء ويسير العجوز بخطوات متلكئة نحو الغرفة وما أن يضع قدميه ينغلق الباب الأتوماتيكي تلقائيا .

عصام مريسي