كشفت دراسة ميدانية موسعة أجرتها منظمة “سام للحقوق والحريات” بالتعاون مع رابطة أمهات المختطفين، وبدعم من معهد “دي تي”، عن ضرورة تبني مسار شامل للعدالة الانتقالية في اليمن كشرط لتحقيق سلام دائم ومصالحة مجتمعية حقيقية. وأشارت الدراسة التي حملت عنوان “الطريق نحو السلام” إلى أن اليمن شهد خلال العقد الماضي انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، في ظل ضعف الدولة وتعدد أطراف النزاع المحلي والإقليمي، مؤكدة أن العدالة الانتقالية يجب أن تقوم على مبادئ الإنصاف والمساءلة وجبر الضرر وكشف الحقيقة. واستندت الدراسة إلى منهجية نوعية شملت 122 مقابلة فردية و20 جلسة نقاش بؤرية بمشاركة 203 أشخاص من ست محافظات رئيسية، باستخدام أدوات تحليل إلكترونية متقدمة. وبينت النتائج أن 79% من الضحايا تعرضوا أو تعرض أحد أفراد أسرهم لانتهاكات مباشرة مثل الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، ونهب الممتلكات، وتجنيد الأطفال، إضافة إلى التحرش الجنسي والعنف الأسري، مع تسجيل النساء والأقليات والنازحين كأكثر الفئات تضررًا. وأبدى المشاركون تأييدهم لإنشاء آليات لتعويض الضحايا بنسبة 82%، وإجراء إصلاحات حكومية بنسبة 79%، ودعم مبادرات المصالحة بنسبة 75%، مع التأكيد على تعزيز الرقابة الدولية لمحاسبة الجناة. كما أوضحت الدراسة أن تعويض الضحايا يواجه تحديات كبرى أبرزها غياب هيئة وطنية نزيهة وانتشار الفساد ونقص الموارد، إضافة إلى أن حجم الانتهاكات أضعف اقتناع البعض بجدوى التعويض. واقترح المشاركون بناء مقاربة شاملة تنهي الحرب وتفكك الميليشيات وتعيد بناء دولة موحدة، مع إنشاء صندوق وطني لتعويض الضحايا ومشاركتهم في إدارة عملية العدالة الانتقالية. وأظهرت النتائج انقسامًا بين من يرى أولوية المصالحة وإنهاء الحرب بنسبة 64.3%، ومن يطالب بالمحاسبة أولًا بنسبة 35.7%، مما يعكس الحاجة إلى موازنة دقيقة بين العدالة والسلام. وأكدت الدراسة على أهمية إشراك النساء والنازحين والأقليات في مسارات العدالة الانتقالية، مع توفير بيئات آمنة لضمان مشاركتهم الفاعلة. وأبرز المشاركون عدة عقبات تواجه الضحايا أبرزها الخوف من الانتقام وضعف الضمانات القانونية وقلة الموارد. كما شدد الخبراء على أهمية دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني في سن التشريعات ومناصرة حقوق الضحايا. وكشفت الدراسة عن جدل حاد حول مشاركة جماعة الحوثي في عملية العدالة الانتقالية، بين من يعتبرها عائقًا رئيسيًا ومن يرى ضرورة إشراكها لضمان شمولية الحل. وخلصت التوصيات إلى الدعوة لإنشاء محكمة وطنية متخصصة بجرائم الحرب، وتمكين الضحايا والمجتمع المدني من قيادة مسار العدالة، ودعم المبادرات المحلية للمصالحة، مع توفير الدعم النفسي والمادي للضحايا وتعزيز قدرات منظمات المجتمع المدني. يذكر أن هذه الدراسة تأتي ضمن مشروع “SPARK” الذي يهدف إلى دعم المصالحة الوطنية والعدالة المستدامة في اليمن من خلال تقييم قدرات المجتمع المدني واستطلاع آراء المجتمع حول آليات العدالة الانتقالية.