آخر تحديث :الإثنين-26 مايو 2025-01:18ص
ملفات وتحقيقات

الضالع.. مأساة تتكرر على الظهر وبين الصخور: مريض يُنقل إلى صنعاء سيراً على الأقدام عبر ممر جبلي وعر

الأحد - 25 مايو 2025 - 09:26 م بتوقيت عدن
الضالع.. مأساة تتكرر على الظهر وبين الصخور: مريض يُنقل إلى صنعاء سيراً على الأقدام عبر ممر جبلي وعر
(عدن الغد) خاص:

الضالع | تقرير: علي عميران – خاص لصحيفة “عدن الغد”


في مشهد يختصر حجم الألم الذي يعيشه المواطن اليمني في مناطق النزاع، تداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي صوراً مؤثرة لأحد أبناء محافظة إب، يُنقل على ظهر شاب يقطع به طريقاً جبلياً وعرًا سيرًا على الأقدام، في محاولة يائسة للوصول إلى صنعاء لتلقي العلاج بعد تعرضه لذبحة صدرية كادت أن تودي بحياته.


الطريق الذي سلكه الشاب يُعرف بـ”جبل الجبهة”، أحد أكثر الممرات وعورة بين مديريتي قعطبة ودمت شمالي الضالع، وهو حالياً الطريق البديل الاضطراري بعد إغلاق جماعة الحوثي لطريق “دمت - قعطبة” منذ عام 2019، ما جعل السكان يضطرون إلى تسلق الجبال ونقل المرضى وكبار السن على ظهورهم أو في النعوش، وكأنهم في رحلة من العصور الوسطى.


المشهد ليس جديداً، لكنه يزداد فداحة كلما رصدته عدسات الهواتف أو وثقته كلمات الناشطين. الناشط الحقوقي المهندس ظافر الصباري سرد في منشور على صفحته بـ”فيسبوك” القصة الكاملة للمريض “جميل الصباري”، الذي يعمل سائق بوكلين بأجر يومي في قعطبة، بالكاد يغطي به لقمة العيش لأسرته، في ظل تدهور اقتصادي حاد وفارق صرف يقصم ظهور البسطاء.


بحسب الصباري، فإن جميل أُصيب مساء الخميس الماضي بذبحة صدرية تسببت لاحقاً بتجلطات في شرايين القلب، ولم يجد سوى هاتفه للاتصال بصديقه رضوان الصباري مستنجداً بكلمة واحدة: “أسعفوني!”. ومن هناك بدأت رحلة العذاب.


استغرقت عملية إسعاف المريض إلى صنعاء نحو 11 ساعة متواصلة من المعاناة، إذ لم يكن هناك وسيلة سوى حمله على الأكتاف عبر طريق راجلة تتخللها منحدرات خطرة، مقابل مبلغ 60 ألف ريال دفعها ذووه للشاب الذي حمله، وهو مبلغ لا يعادل حجم التعب ولا قسوة الطريق.


يروي المهندس ظافر أنه لم يتمكن من استكمال الرحلة بسبب الإنهاك، فعاد هو نفسه محمولاً على الأكتاف. ويقول بأسى: “هذا الطريق ليس عبوراً فقط.. بل معركة مع الألم والخوف والانزلاق والتعب”.


ويختم حديثه بلعنة صريحة على من تسببوا بإغلاق الطرقات وتشريد الناس وتعذيبهم في سعيهم نحو أبسط حقوقهم؛ الحق في التنقل والعلاج.


ورغم هذا الواقع الكارثي، فإن بارقة أمل ظهرت في الأفق خلال الأيام الماضية، بعد أن أعلنت السلطات المحلية في محافظة الضالع بقيادة المحافظ اللواء الركن علي مقبل صالح، عن اتخاذ قرار بفتح الطريق الرابط بين الضالع وصنعاء لدواعٍ إنسانية، من أجل تخفيف المعاناة عن المواطنين وتسهيل حركة المرضى والبضائع.


لكن هذا القرار قوبل حتى اللحظة برفض وتعنت من جماعة الحوثي، التي لم تصدر أي تعليق رسمي حيال الأمر، في موقف يُفسَّر بأنه استمرار في سياسة العقاب الجماعي والاستهتار بحياة اليمنيين.


الصور والمشاهد التي وثقها صحفيون وناشطون تظهر نساءً طاعنات في السن وأطفالاً رضعاً يُنقلون في ظروف بالغة القسوة، شمس حارقة فوق الرؤوس، وانهيارات نفسية وجسدية تدفع ببعض النساء إلى الإجهاض، في حين يُنقل المرضى الطاعنون في السن على النعوش وهم أحياء، وسط صدى يتردد من كل زاوية: “يا الله يا الله”.


وسط هذه المشاهد، ناشد حقوقيون وناشطون الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإنسانية الضغط على الحوثيين لفتح طريق “الضالع – قعطبة – دمت – صنعاء”، باعتباره ممراً رئيسياً لإنقاذ آلاف المرضى والمحتاجين، ووضع حد للانتهاكات المتكررة التي تطال المدنيين في هذه المناطق.


ويظل اليمنيون في مناطق الحصار بانتظار لحظة شجاعة يعلو فيها صوت الضمير، وتعلن فيها جماعة الحوثي الإفراج عن الوطن من سجن الطرقات المغلقة، والكف عن معاقبة الناس بجريرة الحرب، في وطن باتت فيه الجبال تُسلك لا حباً في القمم، بل هرباً من الموت إلى بصيص أمل قد يكون على الضفة الأخرى من الوجع.