منذ انقلابها المسلح في سبتمبر 2014، أطبقت جماعة الحوثي قبضتها على العاصمة صنعاء وأجزاء واسعة من شمال اليمن، وفرضت سلطتها بقوة السلاح، لتحول البلاد إلى ساحة حرب دائمة، وتدخل في مسار طويل من القمع والنهب والتطييف، لا يزال اليمنيون يدفعون ثمنه حتى اليوم.
خلال عشر سنوات، لم تقدّم جماعة الحوثي أي نموذج للحكم الرشيد، بل عمدت إلى تحويل مؤسسات الدولة إلى أدوات للبطش وتكريس الهيمنة، حيث صادر الحوثيون مرتبات مئات آلاف الموظفين، وابتلعوا عائدات الجمارك والضرائب والمساعدات الدولية، وفرضوا جبايات باهظة على المواطنين تحت مسميات طائفية ومناسبات مذهبية لا تمت لليمن بصلة.
وبحسب تقارير حقوقية، استخدمت الجماعة سلاح التجويع كسلاح حرب ضد المجتمع، كما زجّت بآلاف الأطفال في جبهات القتال بعد تجنيدهم قسريًا، وغسلت أدمغتهم بخطاب ديني متطرف قائم على “الولاية” والفرز السلالي.
وفي التعليم، أقدمت الجماعة على تغيير المناهج الدراسية، وتفريغها من محتواها الوطني، واستبداله بخطاب عقائدي يروّج لفكرة الاصطفاء العرقي. أما القضاء، فقد حوّلته إلى أداة ترهيب لتصفية الخصوم والمعارضين، وسط تفشي ظاهرة الإعدامات السياسية وأحكام المصادرة والإخفاء القسري.
وفي الجانب الأمني، أنشأت الجماعة عشرات السجون السرية، واستخدمت أدوات تعذيب ممنهجة، فيما وثقت منظمات دولية ارتكابها آلاف الانتهاكات بحق مدنيين، من ضمنها القتل خارج القانون، والاختفاء القسري، وتجنيد النساء للتجسس، في تجاوز صريح لكل الأعراف والقوانين الدولية.
أما على المستوى الإقليمي، فقد تحولت جماعة الحوثي إلى ذراع عسكري لإيران، وصدّرت تهديدها خارج الحدود، حيث استهدفت السفن التجارية في البحر الأحمر، وقصفت موانئ ومنشآت نفطية في السعودية والإمارات، في تهديد مباشر للملاحة الدولية وأمن الطاقة العالمي.
ويؤكد مراقبون أن الحوثيين لم يسعوا لبناء دولة، بل أسّسوا منظومة حكم قائمة على الغلبة والتمييز العنصري، حيث تم تقاسم النفوذ والثروة داخل حلقة ضيقة من الأسر السلالية، فيما تم تهميش بقية أبناء المجتمع اليمني وحرمانهم من أبسط حقوقهم.
وبعد عشر سنوات من الحرب، يواجه اليمن وضعًا إنسانيًا هو الأسوأ في العالم، وتعيش العاصمة صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين حالة من التدهور الحاد في الخدمات، وغياب الدولة، واتساع الفقر، وتفشي السوق السوداء التي يديرها قادة الجماعة.
وبات الشارع اليمني، بما في ذلك القواعد الاجتماعية التي كانت متعاطفة مع الجماعة في بداياتها، أكثر قناعة أن هذه الجماعة لا تحمل مشروع دولة، بل مشروع فوضى، واستمرار وجودها يعني استمرار الحرب والانهيار والانقسام.
ويرى محللون أن المأزق الذي تعيشه طهران اليوم ينعكس بشكل مباشر على الحوثيين، الذين فقدوا زخمهم السياسي والدبلوماسي، وباتوا يعانون من عزلة إقليمية ودولية متزايدة، في ظل تصاعد الضغوط لإنهاء الحرب وإخراج الجماعة من المشهد.
وفي خضم هذه التحولات، يتزايد الحديث عن مستقبل اليمن بعد الحوثيين، كضرورة وطنية وإقليمية، لاستعادة الدولة، وبناء نظام جمهوري مدني يعيد للمجتمع توازنه، وينهي الكابوس الذي فُرض عليه باسم "الحق الإلهي" وشعارات الموت، ويؤسس لمرحلة جديدة من العدالة والحرية والانتماء العربي الأصيل.



